للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٢ - باب الآنية]

الآنية: جمع "إناء". والإناء: هو الوعاء، والعلماء - رحمهم الله- ذكروا الآنية هنا في باب الطهارة دون أن يذكروها في باب الأطعمة مع أن الأطعمة إنما تقدم في الأواني، والأشربة تقدم في الأواني، لكن ينبغي أن يذكر الشيء عند أول مناسبة له، وأول مناسبة للأواني هو باب المياه لأن الماء - كما تعلمون- جوهر سيار لا يمكن الإحاطة به إلا بإناء، فلذلك ذكروا باب الآنية بعد ذكر باب الطهارة؛ هذا هو السبب، فلها صلة قوية في باب الأطعمة وباب الأشربة.

والأصل في الأواني: الحل؛ أي إناء تشرب فيه، أي إناء تأكل فيه فالأصل فيه الحل، إلا ما كان ضارا فإنه حرام، أو إن شئت فقل: إلا ما دل الدليل على تحريمه - وهذا أعم- فإنه حرام وإلا فالأصل الحل، ولهذا لو أن الإنسان شرب في إناء من خزف، وقال له قائل: هذا حرام، ماذا نقول؟ نقول: هات الدليل، فإذا قال هو: أين الدليل على أن الشرب في الخزف حلال؟ قلنا: عدم الدليل على التحريم هو الدليل، أكل أو شرب في إناء من الماس - الماس غال جدا- فقال له قائل: هاذ حرام. ماذا نقول؟ نقول: هذا حلال، نقول: الأصل الحل إلا ما قام عليه الدليل، ومما قام عليه الدليل: أن يأكل الإنسان في جزء من الآدمي مثل أن يجد جمجمة رأس الآدمي فيستعملها إناء فهذا حرام؛ لأن الآدمي محترم، وإن كان طاهرا لكنه محترم فلا يجوز اتخاذ عضو من أعضاء الآدمي آنية لاحترامه، ومن ذلك أيضا: أواني الذهب والفضة يحرم استعمالها في الأكل والشرب، الدليل: حديث حذيفة بن اليمان وهو صاحب السر المشهور الذي أسر إليه النبي صلى الله عليه وسلم ببعض أسماء المنافقين يقول:

[حكم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة.]

١٣ - عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافهما، فإنها لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة". متفق عليه.

"لا تشربوا" "لا" ناهية، والدليل أنها ناهية وليست نافية: حذف النون علامة الجزم، وقوله: "في آنية الذهب والفضة" أي: أوعيتها. "ولا تأكلوا في صحافهما" أي: صحاف الذهب والفضة، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم كعادته غالبا بين الحكمة فقال: "فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة" يعني: أنكم في هذه الدنيا لا يبغ بكم الترف إلى أن تأكلوا في آنية الذهب والفضة. هذا لمن؟ هذا يتمتع به الكفار اذلين يتمتعون في هذه الدنيا كما تتمتع الأنعام والنار مثوى لهم، أما أنتم فأجلوا المسألة، أجلوها إلى أن تأكلوا وتشربوا فيها أبد الآبدين، وذلك في الآخرة إذا دخل المؤمنون

<<  <  ج: ص:  >  >>