تغضب" فقال أوصني قال: "لا تغضب"، قال: أوصني، قال: "لا تغضب"، ردد مرارا قال: لا تغضب، وإذا كان الرسول الله صلى الله عليه وسلم يوصيه ألا يغضب فإنه لن يوصيه بشيء يكون كمالا بل لابد أن يكون ناقصا فيكف يوصف الله به؟ قلنا: إن قسنا غضب الله بغضب الإنسان فهو نقص لا شك؛ لأن الإنسان إذا غضب تصرف المجنون ربما يقتل ولده وربما يكسر ماله وربما يحرق ماله وربما يطلق زوجاته، إذا هو نقص لكن في حق الخالق لا يمكن أن يصدر عن غضب الله شيء ينافي حكمته عز وجل بل لابد أن يكون لحكمة.
ثم الغضب من حيث هو في مقام السلطة يدل على كمال السلطان، لأنك إذا ضربت إنسانا مثلا ثم غضب معناه أنه يستطيع أن ينتقم منك، ولهذا إذا رأيته غضبان تهرب، لكن لو ضربت ضعيفا ماذا يفعل؟ يمشي، لأنه لا يستطيع الانتقام، إذا فالغضب من حيث هو غضب هو كمال، لكن من حيث ما يصدر عنه يكون نقصا، وهو هو الذي أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بعدمه.
على كل حال: في هذا الحديث إثبات الغضب لله عز وجل وهل جاء في القرآن إثبات غضب الله؟ في مواضع متعددة {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه}[النساء: ٩٣].
[الحكم بحسب البينة]
١٣٥٤ - وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه:«أن رجلين اختصما في دابة، وليس لواحد منهما بينة؛ فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما نصفين». رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي وهذا لفظه، وقال: "إسناده جيد".
اختصما في دابة وليس لواحد منهما بينة، وظاهر الصورة هذه أن الدابة ليست في يد أحدهما أو في أيديهما جميعا، ليست في يد واحد منهما بأن تكون بيد ثالث لا يدعيها ولم يقر بها لأحدهما، كل منهما ادعاها وليس له بينة، ماذا تعمل؟ هذه واحدة.
الصورة الثانية: ادعيا في أيديهما كل واحد ممسك بها، واحد يجرها من الخلف ويقول: هذه ناقتي، والثاني من الأمام ويقول هذه ناقتي، وليس لأحدهما بينة، قضى بها النبي صلى الله عليه وسلم بينهما نصفين؛ وذلك لأن نصفها بيد واحد والنصف الثاني بيد الآخر، فمن بيده النصف يكون مدعي عليه به، ومن بيده النصف الآخر يكون مدعى عليه به ومنكر، فكل نصف منها فيه دعوى وإنكار وليس هناك بينة، إذن الطريق -طريق العدل- أن نقسمها بينهما نصفين؛ لأنه لا