للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك دليل على رؤية الله عز وجل فهذا المطلوب، وإن لم يكن فالأدلة -والحمد لله- متوافرة سوى هذا.

ومن فوائد هذا الحديث: إثبات الغضب لله لقوله: "وهو عليه غضبان"، والله تعالى بوصف بالغضب، ويوصف بالرضا، ويوصف بالسخط، ويوصف بالكراهية، وبوصف بالمقت، ويوصف بالبغض، لكن في محله، فما هو الغضب؟ قال أهل التحريف: الغضب هو الانتقام، أو إرادة الانتقام، وقال السلف وأهل الحق: الغضب وصف يليق الله عز وجل من آثاره الانتقام، وليس الانتقام هو الغضب بل هو وصف زائد على الانتقام، انظر كيف فسروا الغضب الانتقام، لأن الانتقام منفصل عن الباري عز وجل، إذ هو عقوبة منفصلة لا تتعلق بالذات، وهو لا يمنعون أن يكون هناك عقوبة منفصلة عن الله لا تتعلق بذاته الانتقام، لأنهم يثبتون الإرادة ويقولون: لا بأس أن يوصف الله بالإرادة لكن الغضب لا، أما نحن فنقول: إن لله غضبا هو وصفه عز وجل كما يليق بجلاله، ولا يمكن أن يفسر بالانتقام، لأن الله تعالى قال: {فلما ءاسفونا أنتقاما منهم} [الزخرف: ٥٥]. وأسفونا بمعنى: أغضبونا، وليس المعنى: ألحقوا بنا الأسف الذي هو الحزن، بل آسفونا: أغضبونا فانتقمنا منهم.

إذن لو غضب بمعنى الانتقام لكان معنى الآية: فلما انتقمنا منهم انتقمنا منهم، وهذا كلام عبث ينزه عنه كلام الخالق عز وجل إذن الغضب ليس الانتقام بل هو شيء زائد على الانتقام.

ما حجة الذين ينكرون أن بوصف الله بالغضب؟ حجتهم مبنية على مصدر تلقي صفات الله من أين تتلقى؟ هم يرون أن تتلقى من العقل، ولهذا كانت القاعدة عندهم فيما يثبت وينفى عن الله كما يلي: ما دل العقل على ثبوته فأثبته سواء وجدته في القرآن والسنة أم لم تجده، إذا لم أجده يكون هذا من باب من افترى على الله كذبا، وقال على الله ما لا يعلم، هم يقولون: لا بأس ما دام العقل دل على هذا أثبته.

القاعدة الثانية: وما نفاه العقل فانفه ولا تثبته؛ لأن الله لا يوصف بما ينافي العقل.

القاعدة الثالثة: وما لم يقتض إثباته ولا نفيه فماذا نفعل؟ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: أكثرهم نفاه؛ لأن القاعدة عندهم لابد من دليل إيجابي على ثبوته فإن لم يدل على ثبوته فلا تثبته، هذه قاعدة أكثرهم، وعلى هذا فما لا يقتضي العقل إثباته ولا نفيه فإن أكثرهم ينفيه ولا يصدق به حتى ولو كان في كتاب الله بأصرح العبارة أو في كلام رسوله، وبعضهم توقف فيه.

أيهم الأقرب للورع -ولا ورع عندهم-؟ المتوقف، لكنه ليس ورعا؛ لأن الورع حقيقة أن يثبت ما أثبته الله لنفسه سواء اقتضاه عقله أو لم يقتضه، نحن نقول: إن الله تعالى يغضب، ولكن هل يمكن لقائل أن يقول الغضب صفة نقص؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سأله رجل قال: أوصني، قال: "لا

<<  <  ج: ص:  >  >>