وقوله:"أمر بالمؤاجرة" فيه دليل على إباحة دفع الأرض بأجرة تسلم لصاحب الأرض سواء زرعا المستأجر أم لم يزرعها، وسواء كسب من ورائها مثل الأجر أو أقل أم لم يكسب شيئًا، انتهى الكلام عن المساقاة.
وهنا مسألة: وهي لو أعطيت الأرض شخصًا وقلت: إن زرعتها برًا فلك النصف، وإن زرعتها شعيرًا فلك الثلث فهل يجوز هذا؟ الصحيح أنه يجوز، وقد ثبت ذلك من فعل عمر فقد كان رضي الله عنه يدفع الأرض للزارع ويقول: أنت بالخيار، لكن إن زرعت برًا فلي النصف ولك الباقي، وإن زرعت شعيرًا فلي الثلثان ولك الباقي لماذا زاد سهمه إذا كان شعيرًا؟ لأن الشعير أرخص من البر؛ ولهذا يبعد أن يقول: إن زرعتها برًا فلي النصف، وإن زرعتها شعيرًا فلي الثلث، هذا بعيد، لكن ربما يأتي يوم من الأيام يكون الشعير أغلى من البر.
على كل حال: هذا لا بأس به، وهذا الأثر الوارد عن عمر رضي الله عنه بجواز هذا دليل على جواز قول القائل: أبيعك هذا الشيء بعشرة نقدًا أو بعشرين لمدة سنة ثم يقبل المشتري بأحد الثمنين، فإن الصحيح أن ذلك جائز، وأن هذا ليس من البيعتين في بيعة.
[حكم أخذ الأجرة عن الحجامة]
٨٧٠ - وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال:«احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطى الذي حجمه أجره، ولو كان حرامًا لم يعطه». رواه البخاري.
قوله:"احتجم" أي: طلب من يحجمه، والحجامة: عبارة عن إخراج الدم الفاسد في البدن، وهي نافعة قرنها النبي صلى الله عليه وسلم بالعسل والكي وقال:"الشفاء في ثلاث وذكر منها شرطة محجم"، ولها أطباء معروفون يعرفون من أين يحجمون وفي أي موضع، ويعرفون الإنسان يحتاج إلى الحجامة أو لا يحتاج، وقد كان الناس يفعلونها كثيرًا، وإذا اعتادها الإنسان فإنه لابد أن يفعلها، وإذا لم يفعلها كثر عليه الدم، وربما يؤثر عليه، حتى إن الإمام أحمد قال: لو هاج به الدم وهو صائم في رمضان فله أن يحتجم ويفطر، ثم إن الحجامة لها مواضع معينة في البدن، ولها أزمنة من الشهر، فلا تفعل في نصف الشهر ولا في أول الشهر ولا في آخر الشهر، يعني: لا تفعل حين ضعف الهلال من أول الشهر، ولا من آخره، ولا حين امتلائه بالنور؛ لأن فوران الدم في الأجسام له صلة بنور القمر فهو يغار في أول الشهر وفي آخره وعند