نافذا ظاهرا لا باطنا، الدليل: أنه -صلى الله عليه وسلم- توعد من حكم له بأنه يقتطع له قطعة من النار، فلو أن إنسانا ادعى على شخص أنه زوجه ابنته وأنكر الرجل، ولي المرأة الذي هو أبوها أنكر فأتى هذا المدعي بشهود وشهدوا عند القاضي بأن العقد قد تم ماذا يحكم القاضي؟ بالظاهر، إنما يقضي بنحو ما يسمع، قضى بأن البنت زوجته فهل يكون وطؤه إياها حلالا؟ لا يكون زنا حتى وإن حكم له ظاهرا بأنها زوجته، ما موقف البنت هنا؟ ليس لها طريق إلا إما أن يعاد العقد من جديد على وجه صحيح وتنتهي المشكلة، وإما أن تحاول الابتعاد عنه ومنعه من الاستمتاع بها بقدر الإمكان، لأنها لا تحل لها.
هذا هو ما دل عليه الحديث بمعنى: أن حكم الحاكم لا يحل الحرام وأنه ينفذ ظاهرا لا باطنا، لا يقول القائل: أنا حكم لي القاضي وفي ذمته ...
ومن فوائد الحديث: عقوبة من أخذ مالا بغير حق، فهل يقال: إن كل من أخذ مالا بغير حق فإنما يأكل نارا؟ لا لكن إذا كان هناك سبب مثل أن يكون وليا على قصار لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم، هذا يدخل في قوله:{إنما يأكلون في بطونهم نارا}[النساء: ١٠]. أو كان على شكل خصومة وخداع للقاضي؛ لأن هذه جناية عظيمة، خداع القضاة جناية عظيمة وفساد في المجتمع، فهذا يكون كمن يأخذ قطعة من النار، أما إذا كان مجرد ظلم فإنه لا يحكم له بذلك ما لم ترد الشريعة بهذا.
[الاهتمام بإقامة العدل]
١٣٣٤ - وعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «كيف تقدس أمة، لا يؤخذ من شديدهم لضعيفهم؟ ». رواه ابن حبان.
- وله شاهد: من حديث بريدة عند البزار، وآخر: من حديث أبي سعيد عند ابن ماجه.
قوله:"كيف" استفهام بمعنى النفي، أي: لا تقدس أمة؛ أي: تطهر، تطهر من كل ما ينبغي التطهير منه: من الذنوب والحروب والبغضاء ... وغير ذلك؛ لأننا نقول: تطهر من كل ما ينبغي التطهر منه من الذنوب وعقوباتها.