والعلماء اختلفوا فيها علي ثلاثة أقوال: فمنهم من قال: إنها سنة مؤكدة، ومنهم من قال: إنها فرض كفاية، ومنهم من قال: إنها فرض عين، وعلي الأقوال الثلاثة لا تبطل الصلاة ولو تركها الإنسان ولو بلا عذر، ومنهم من قال: إنها شرط لصحة الصلاة، وعلي هذا القول فإذا ترك صلاة الجماعة بلا عذر بطلت صلاته، وهذا القول الأخير هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ورواية عن أحمد أن الرجل إذا ترك الجماعة بلا عذر فإنه لا تقبل صلاته، ولو صلى ألف مرة وأنه إذا تركها بلا عذر فهو كمن صلى بلا وضوء، يعني: لا تصح صلاته ويجب عليه أن يطلب الجماعة في أي مسجد، ولكن القول الراجح من هذه الأقوال: أنها فرض عين؛ أي: أنه واجب علي كل مسلم من الرجال أن يصلى مع الجماعة، ولكنه لو ترك الصلاة مع الجماعة أثم وصحت صلاته، ويدل لذلك حديث ابن عمر وأبي هريرة وأبي سعيد، وهذه الأحاديث التي ذكرها المؤلف تدل علي أن صلاة الفذ صحيحة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة"؛ ولو كانت صلاة الفرد غير صحيحة ما صار فيها فضل أبدًا.
وعليه يكون حمل هذه الأحاديث علي المعذور فيه نظر؛ لأن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال: إن هذه الأحاديث في المعذور إذا تأخر عن صلاة الجماعة بعذر، فإنه يفوته خمس وعشرون درجة، ولكن كلامه هذا أيضًا فيه نظر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من مرض أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا"، والحديث في الصحيح، فدل ذلك علي أن المريض الذي يعتاد صلاة الجماعة إذا تخلف عنها كتب له أجرها كاملة.
فالحاصل: أن القول الصواب أنها واجبة وأنها فرض عين، ويدل علي وجوبها الكتاب والسنة والإجماع الفعلي من الصحابة- رضي الله عنهم- أما الكتاب فقوله تعالي: {وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة وأركعوا مع الراكعين (٤٣)} [البقرة: ٤٣]، لأن الله عز وجل، يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم:{وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا}[النساء: ١٠٢]، يعني: أتموا صلاتهم، {فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخري لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم}[النساء: ١٠٢]، ووجه الدلالة من الآية: أن الله أوجب علي المؤمنين أن يصلوا جماعة في حال القتال، وما وجب في حال القتال فوجوبه في حال الأمن من باب أولي، ثم في قوله في الآية:{ولتأت طائفة أخري لم يصلوا فليصلوا معك}[النساء: ١٠٢]، دليل علي أنها فرض عين؛ لأنها لو كانت فرض كفاية لسقطت بالطائفة الأولي، فلما وجب علي