في فصل المؤلف كتاب الحدود عن قتل المرتد دليلٌ على أن قتل المرتد ليس من الحدود، وما يكتبه بعض الكُتَّاب المعاصرين من أنّ قتل المرتد من الحدود وهم منهم وليس من الحدود في شيء، لأن الحدود إذا وصلت السلطان وجبت إقامتها على كل حال، أما المرتد إذا وصل إلى السلطان واستتابه وتاب وجب رفع القتل عنه.
[مفهوم الحدود وحكمه]
وقول المؤلف:"كتاب الحدود" هي جمع حد، وهو في اللغة: الشيء الفاصل بين شيئين، وسمي حدًّا؛ لأنه يمنع امتزاج كل واحد بالآخر، ومنه حدود الأرض، وهي المراسيم التي تُجعل بين أرض زيد وعمرو، أما في الشرع فله إطلاقات منها: المناهي، ومنها: الواجبات؛ يعني: أن المناهي تسمَّى حدودًا، والوجبات تسمى حدودًا، فما نهي عن تجاوزه فهو أوامر، وما نهي عن الدخول فهو نواه، يعني إذا قيل:{تلك حدود الله فلا تقربوها}[البقرة: ١٨٧]، فهذه نواه، وإذا قيل:{تلك حدود الله فلا تعتدوها}[البقرة]، فهي أوامر، لأن الواجبات يكون الإنسان داخلها في ضمنها فلا يجوز أن يتعداها، والنواهي الأصل أن يكون خارجًا منها يقربها، ولذلك نقول: إذا كانت الآية {تلك حدود الله فلا تعتدوها}[البقرة: ٢٢٩]، فاعلم أنها أوامر، وإذا كانت الآية {تلك حدود الله فلا تقربوها}[البقرة: ١٨٧]، فهي نواه، مثال ذلك قوله- تبارك وتعالى- في آية الطلاق لما ذكر ما يجب على المُطلِّق وعلى المطلقة:{تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون}[البقرة: ٢٢٩]، لأنها أوامر، وقال- تبارك وتعالى-: {تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للنّاس لعلهم يتقون}، لما ذكر ما يتعلق بأموال اليتامى وغيرهم قال {تلك حدود الله فلا تقربوها} المهم أن ما كان من النواهي يقال فيه: لا تقربوها، وما كان من الأوامر يقال فيه: لا تعتدوها.
يطلق أيضًا الحد في الشرع على العقوبة، وهو المراد هنا، ونحده بأنه "عقوبة مقدرة شرعًا في معصية لتكون كفارة عن الفاعل ورادعة عن الفعل فإن السارق إذا كان يعلم أنه إذا سرق قطعت يده فإن هذا سيمنعه ويردعه عن السرقة، والزاني إذا علم أنه سيُجلد ويُغرّب إذا كان