للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٦١٤ - وعن قبيصة بن مخارقٍ الهلاليِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثةٍ: رجل تحَّمل حمالةً، فحلت له المسألة حتى يصيبها، ثمَّ يمسك، ورجل أصابته جائحةٌ اجتاحت ماله، فحلَّت له المسألة حتى يصيب قوامًا من عيشٍ، ورجل أصابته فاقةٌ حتَّى يقوم ثلاثةٌ من ذوي الحجا من قومة: لقد أصابت فلانًا فاقةٌ؛ فحلَّت له المسألة حتى يصيب قوامًا من عيشٍ، فما سواهنَّ من المسألة يا قبيصة سحتٌ يأكله صاحبه سحتًا". رواه مسلمٌ، وأبو داود، وابن خزيمة، وابن حبَّان.

[من اللذين تتجل لهم الصدقة]

قوله: "إن المسألة لا تحل إلاً لأحد"؛ لأن قبيصة سأل النبي- عليه الصلاة والسلام- من الصدقة فقال له هذا الكلام: "لا تحل إلا لأحد ثلاثة" أولًا: "رجل" بالكسر لماذا؟ بدل من "أحد"، ويجوز أن تقول: "رجل" بالضم على أنها خبر لمبتدأ محذوف تقديره: أحدهم رجل.

"تحمل حمالة فحلت له المسألة" يعني: تحمل حمالة للإصلاح بين قوم، وهذا هو الغارم لإصلاح ذات البين، فهذا وجد قبيلتين متنافرتين يكاد يكون بينهما دماء فتحمَّل حمالة، فهذا تحل له المسألة حتى يصيب تلك الحمالة، ولو كان غنيًّا؛ لأن هذا من باب المساعدة والمعاونة على فعل المعروف؛ لأن فعله هذا لا شك أنه معروف يحمل عليه ويشكر عليه، فكان من المناسب أن يعطى ما تحمله تشجيعًا له ولأمثاله، إذ إن غالب هذه الحمائل تكون كثيرة.

ولو قلنا: إنه لا يعطى لكانت أمواله تتلف بسبب هذه الحمالة، فمن أجل هذا كان من الحكمة أن يعطى إياها، ولكن السؤال سؤالان سؤال خفي، وسؤال علني، السؤال العلني: ما يسأله بعض الناس الآن يقوم أمام الناس في المساجد أو في المجتمعات ويتكلم، والثاني: سؤال خفي بأن يكتب ما وقع له ثم يرسله إلى من يتوسم فيه الخير، أو يذهب هو بنفسه إلى من يتوسم فيه الخير ويقص عليه القصة أيهما أعظم؟ الأول أعظم، والأول ينبغي ألاَّ يجوز إلا للضرورة، لأنه في الواقع بذل نفسه أمام الناس جميعًا، لكن الذي يسأل سؤالًا خفيًّا فيمن يتوسم فيه الخير يكون أهون، لأنه إنما أذل نفسه عند أشخاص معينين، وإن كان هذا أشد من جهة أخرى وهو إحراج المسئول؛ لأن الأول يسأل من شاء أعطاه ومن شاء لم يعطه ولا يهمه، لكن الثاني يحرج المسئول فقد يكون أشدُّ من هذه الناحية.

قال: "ورجل أصابته جائحة" اجتاحت ماله فحلَّت له المسألة، "حتى يصيب قوامًا من عيش، "الجائح": هو المهلك للشيء، ومعنى "اجتاحت ماله" أي: أهلكته، مثل أن يأتي زرعه

<<  <  ج: ص:  >  >>