وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ .... } [الأحزاب: ٥١]. فقالوا: إن الله رخص له قال {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ} يعني: اختار {وَتُؤْوِي إِلَيْكَ} تدعوها، {وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ} وقلت لا قسم لك ورجعت في القسم لها {فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ} أي: ما أخبرناه به من هذا الحكم {أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ}؛ لأن الحكم من عند الله {وَلا يَحْزَنَّ ... } الخ ولكن كثرًا من أهل العلم إن لم يكن أكثرهم يقول إن النبي صلى الله عليه وسلم يجب عليه القسم واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ هذا فعلي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك». وأن هذا مقتضى العموم «من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل»، وألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم يدخل فيها النبي ولكن إن وجد دليل على اختصاص يقتضيه ولنا أن نقول: إن القسم واجب عليه ولكن كان يطوف على نسائه بغسل واحد برضاهن، وإذا رضيت النساء أن يفعل هذا فلا حرج ويحتمل أن يكون هذا قبل وجوب القسم، ويحتمل أن يقال: إن القسم بين النساء قد يقسم الإنسان بينهن إلا في الجماع ويكون عماد القسم في الليل وفي النهار الإنسان حرّ قد صح في الحديث نفسه أنه كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة، وهذا يقتضي أنه يمر على كل واحدة في كل ليلة، والذي يظهر لي - والله أعلم - أن النبي صلى الله عليه وسلم قد رخص الله له في ترك القسم ولكن لكرمه صلى الله عليه وسلم وحسن خلقه كان يعدل بكل ما يستطيع، وهن كن يرضين منه أن يطوف عليهن بغسل واحد ويكون الاستقرار عند من عندها الليلة، وهذا ليس بضارهن شيئًا، وإنما رخص الله له في ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطي قوة ثلاثين رجلًا في الجماع، ومثل هذه القوة قد لا تكفيه لواحدة، في الليلة الواحدة فلذلك رخص له بناء على ما أعطاه الله من هذه الخصيصة ولكنه صلى الله عليه وسلم لكرمه يعدل بينهن ما استطاع هذا أقرب ما يقال.
* * * *
[٣ - باب الصداق]
الصداق اسم مصدر من أَصْدَقَ؛ لأن المصدر من أَصْدَق إِصْدَقًا أَصْدَقَها يصدقها إصداقًا ويعرف علماء النحو اسم المصدر بأنه ما دل على معنى المصدر واشتمل على حروفه الأصلية دون الزائدة، فالكلام مثلًا يدل على التكليم لكنه لا يشتمل على حروف المصدر فيسمى اسم مصدر، السلام كذلك بمعنى التسليم واشتمل على حروفه الأصلية دون الزائدة، الصَّدَاق «بمعنى الإصداق ولكنه لا يشتمل على حروفه».