٩٣٤ - وعن سهل بن سعد الساعدي (رضي الله عنه) قال: «جاءت امرأة إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقالت: يا رسول الله، جئت أهب نفسي، فنظر إلها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فصعد النظر فيها، وصوبه، ثم طأطأ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) رأسه، فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئًا جلست، فقام رجل من أصحابه. فقال: يا رسول الله، إن لم يكن لك حاجة بها فزوجنيها. قال: فعل عندك من شيءٍ؟ فقال: لا والله يا رسول الله. فقال: اذهب إلى أهلك، فانظر هل تجد شيئا؟ فذهب، ثم رجع. فقال: لا والله ما وجدت شيئا. فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): انظر ولو خاتما من حديد، فذهب، ثم رجع. فقال: لا والله يا رسول الله، ولا خاتما من حديد، ولكن هذا إزاري -قال سهل: ما له رداء- فلها نصفه. فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ما تصنع بإزارك؟ إن لبسته لم يكن عليها منه شيء، وإن لبسته لم يكن عليك من شيء فجلس الرجل، وحتى إذا طال مجلسه قام؛ فرآه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) موليًا، فأمر به، فلما جاء. قال: ماذا معك من القرآن؟ قال: معي سورة كذا، وسورة كذا، عددها. فقال: تَقْرَؤُهُنَّ عن ظهر قلبك؟ قال: نعم، قال: اذهب، فقد ملكتكها بما معك من القرآن». متفق عليه، واللفظ لمسلم.
قال:«امرأة» نكرة يعني: غير معروفة، وعدم معرفة المرأة لا يخل بالمعنى؛ لأن الأصل أن الأحكام عامة، ونجد بعض الناس يتكلف في تعيين الشخص وهو في الحقيقة لا حاجة إليه، اللهم إلا أن يتعلق بتعيينه حكم شرعي حينئذ لابد أن نعرفه [وإلا فلا].
«جاءت امرأة إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقالت: يا رسول الله، جئت أهب لك نفسي»، الهبة هي التبرع للشخص بدون مُقابل وهذا -أعني: هبة المرأة نفسها إلى شخص ليتزوجها- من خصائص النبي (صلى الله عليه وسلم) كما قال الله تعالى: {وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً}[الأحزاب: ٥٠] يعني: وأحللنا لك امرأة مؤمنة {إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}[الأحزاب: ٥٠].
وقوله:«صعد النظر» أي: رفعه، «وصوّبه»، أي: نزله، قال الله تعالى:{أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ}[البقرة: ١٩]. «صيب» يعني: مطر نازل من السماء، «وصعد النظر إليها وصوبه»، لأنه الآن خاطب، والخاطب يجوز أن ينظر إلى مخطوبته، ومن جهة أخرى أن كثيرا من العلماء ذكروا أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) له خصائص في باب النظر وفي باب الخلوة بالمرأة، ومن هذه الخصائص أنه يجوز له أن ينظر إلى المرأة ويجوز أن يخلو بها، وذلك لأن الفتنة مأمونة غاية الائتمان بالنسبة لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وأصل النظر إنما حرم لخوف الفتنة وإلا لكانت المرأة مثل الرجل، لكن لخوف الفتنة