تابوا منها آدم اعتذر بأكله من الشجرة، ونوح اعتذر بأنه سأل ما ليس به علم، وإبراهيم اعتذر بأنه كذب ثلاث كذبات، وموسى اعتذر بأن قتل نفسًا لم يؤمر بقتلها؛ لأن من لم يكن عابدًا قانتًا لله ليس أهلًا للشفاعة، حتى لو طلبت أن يدعو لك وهو ليس من الصالحين فهذا غلط؛ لأنه ليس محلًا لأن يكون مجاب الدعوة لكونه غير صالح، والله تعالى إنما يتقبل من المتقين، ولكن مع هذا قد يتقبل من غير المتقين لحكمة يريدها- سبحانه وتعالى-.
الحاصل: أن هذه الأنواع منها جائز ومنها ما هو ممنوع، وكل هذا بمقتضى الأدلة الشرعية.
شبهة والرد عليها:
فإن قلت: ما نوع التوسل في قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم"؟ توسل بفعل الله، فهو من التوسل بصفات الله، أفعاله من صفاته، لكن أفعاله صفات غير ذاتية يسمونها صفات فعلية، بخلاف صفاته الذاتية الدائمة التي لم يزل ولا يزال متصفًا بها، وعلى هذا فتوسل عمر رضي الله عنه لو تمسك به متمسك وقال إن عمر يقول:"كنا نتوسل إليك بنبينا وإننا نتوسل إليك بعم نبينا، فاسقنا فيسقون"، وليس فيه أن العباس دعا؟ قلنا: الجواب على ذلك من وجهين:
الأول: أنه قد روي في غير البخاري أن العباس قام فدعا الله، وأن عمر قال: قم يا عباس فادع الله، فقام فدعا. هذه واحدة.
الوجه الثاني: نقول في رواية البخاري التي معنا ما يدل على أن عمر رضي الله عنه أراد أن يدعو العباس الله، كيف؟ لأنه قال: نتوسل إليك بنبيك، وقد علم أنهم لا يتوسلون بالنبي- عليه الصلاة والسلام- إلا بدعائه، فيكون توسل عمر بدعاء العباس كما كانوا يتوسلون بالنبي- عليه الصلاة والسلام-، فيكون حديث البخاري فيه إشارة إلى أن التوسل بالعباس ليس بذاته، ولكن بدعائه.
فإن قلت: لماذا خص العباس مع أن في القوم من هو أفضل منه؟
أجبنا على ذلك فيما سبق: بأنه أقرب الناس إلى الرسول- عليه الصلاة والسلام-، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعظمه حتى كان له بمنزلة الوالد، فلهذا توسل به عمر رضي الله عنه.
[ما يفعل عند هطول المطر]
٤٩٢ - وعنه رضي الله عنه قال:"أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر قال: فحسر ثوبه، حتى أصابه من المطر، وقال إنه حديث عهد بربه". رواه مسلم.
قوله:"أصابنا ونحن مع رسول الله"، الجملة هذه حالية، يعني: والحال أننا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومحلها النصب على الحال.