واختلف العلماء في الأمر بالطعم: هل هو للوجوب أو لا؟ فقال بعضهم: إنه للوجوب, لظاهر الأمر, ولأن الرجل إنما صنع الطعام من أجل أن يأكل, ولو أنه دعا عشرين نفراً إلى طعام الوليمة ثم قدمها ثم جلس فقال لهم: تفضلوا, قالوا: ما نبغي, يقول: أنا حضرته لكم, قالوا: لا نأكل نحن أجبنا ويكفي, لعد ذلك نوعاً من السفه, وربما إن كان أحمق يضرب كل واحد سوطاً ويقول: اخرجوا, ثم يتساءل ما معنى أن أدعو الناس للطعام ليأكلوا؟ ولهذا قال بعض العلماء: إن الأمر للوجوب لظاهر الحديث ولأن في ترك الأكل مفسدة, ولو قيل بأن الأكل فرض كفاية, يعني: لا فرض عين إلا أن يكون ترك الأكل سبباً لمفسدة مثل أن يكون بين الداعي وبين تارك الأكل عداوة وقطع صلة فهنا يتعين الأكل.
فإن قال قائل: ألا يصرف الوجوب قوله صلى الله عليه وسلم: «فإن كان صائماً فليصل» , لأنه لو كان الأكل واجباً لم تعارضه السنة؟ هذا يدل على أن الأمر ليس للوجوب لأنه لو كان واجباً لكان الصائم يجب عليه أن يفطر ليأكل, لكن لا يمنع أن يكون فرض كفاية يحصل الفعل من بعضه.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «إن كان مفطراً فليطعم» يظهر من التقسيم أن يُراد بالصوم صوم النفل, لأن الغالب أن صوم الفرض يشترك فيه الناس كلهم صائمون, وإن كان يوجد أمثلة كثيرة وقرائن كثيرة بأن يكون الصوم واجباً على شخص كفارة مثلاً أو قضاء دون الآخرين.
وقوله: «إن شاء طعم وإن شاء ترك» يعني: الصائم, ولكن أيهما أفضل؟ ينبغي مراعاة المصلحة, إذًا كانت المصلحة في الفطر أفطر وإن كانت في البقاء على الصوم بقى على صومه ما لم يكن الصوم واجباً, فإن كان الصوم واجباً فإنه لا يجب أن يأكل بل يجب أن يبقى على صومه؛ لأن القاعدة الشرعية: أن من شرع في عبادة واجبة وجب عليه إتمامها إلا لعذر شرعي يُبيح له قطعها.
[أيام الوليمة]
١٠٠١ - وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طعام الوليمة أول يوم حق, وطعام الثاني سنة, وطعام يوم الثالث سمعة, ومن سمع سمع الله به». رواه الترمذي واستقربه, ورجاله رجال الصحيح, وله شاهد عن أنس عند ابن ماجه.
هذا الحديث -من حيث السند- فيه نظر, وإن كان المؤلف رحمه الله قال إن رجاله رجال