في هذا الحديث فوائد: أولاً: إثبات النظر لله؛ أي: منه لقوله: «لا ينظر»، ونفي النظر عن هؤلاء يدل على ثبوت النظر لغيرهم؛ لأنه لو انتفى النظر عن الجميع لم يكن لتخصيص هؤلاء فائدة، وقد استدل الأئمة بمثل هذا ففي قوله تعالى:{كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}[المطففين: ١٥]. استدل الأئمة على أن الأبرار يرون الله، قالوا: فإنه لما حجب هؤلاء الفجار في حال الغضب دل على أن الأبرار في حال الرضا ينظر إليهم؛ لأنه لو كان الحجب من هؤلاء ومن هؤلاء لم يكن لتخصيص هؤلاء فائدة. ومن فوائد الحديث: أن إتيان الرجل الرجل من كبائر الذنوب، وجهه: أنه أثبت عليه الوعيد، وكل ذنب رتب عليه الوعيد فإنه من كبائر الذنوب، كل ذنب رتب عليه حد في الدنيا فهو من كبائر الذنوب، كل ذنب تبرأ النبي (صلى الله عليه وسلم) من فاعله فهو من كبائر الذنوب، وأحسن ما حدث به الكبيرة ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية: من أن ما رتب عليه عقوبة خاصة فهو من الكبائر، وذلك أن المنهيات تارة ينهى عنها ويقال إنها حرام فقط، وتارة تقرن بعقوبة خاصة إما في الدنيا وإما في الآخرة.
[مسألة في حد إتيان الرجل الرجل]
ولم يذكر في هذا الحديث حد إتيان الرجل الرجل، لكن قال قوم من أهل العلم: فيه التعزيز دون الحد، وقال آخرون: فيه حد الزنا، فالمحصن يرجم وغير يجلد، وقال آخرون: بل يقتل الفاعل والمفعول به بكل حال، سواء كان محصنا أم غير محصن. وقال آخرون: ليس فيه حد ولا تعزيز! وهذا من غرائب الأقوال، يقولون: اكتفاء بالرادع الطبيعي وقاسوا ذلك على من شرب البول وشرب الخمر، فمن شرب الخمر يجلد، ومن شرب البول لا يجلد، قالوا: اكتفاء بالرادع الطبيعي ليس أحد من الناس يشرب البول لكن كثيرا من الناس يشرب الخمر، فجعل فيه عقوبة من أجل أن تردع الناس عن شرب الخمر، ولكن هذا القول لا يصح، بل هو من أبطل الأقوال، فنحن لا نسلم أن من شرب البول لا يعزر، بل نرى أنه يجب أن يعزر؛ لأن شرب البول حرام وإذا كان الإنسان لا تردعه طبيعته وفطرته فتردعه العصا والسوط، وكل معصية ليس فيها حد ففيها التعزير؛ إذن إذا بطل الأصل بطل الفرع، ثم على تقدير التسليم أن شرب البول ليس فيه شيء فإنه لا يصح القياس؛ لأن شرب البول لا يمكن لأي إنسان أن يميل إليه، وأما إتيان الذكر الذكر فهذا يمكن أن يميل إليه الإنسان، وهاهم قوم لوط أمة كلهم ابتلوا بهذا الشيء فصاروا يأتون الذكران من العالمين، ويذرون ما خلق لهم ربهم من أزواجهم، لما