٧٧١ - وعنه رضي الله عنه قال:"نهى صلى الله عليه وسلم عن النَّجش". متفق عليه.
النجش مصدر نجش ينجش نجشًا، وأصله: حرث الأرض وإثارتها، والمراد بالنجش: أن يزيد في السلعة ولا يريد شراءها، فنهى عنه صلى الله عليه وسلم لما في ذلك من العدوان على الغير وإحداث العداوة والبغضاء بين المسلمين، والناجش لا يريد أن ينفع البائع أو يضر المشتري أو يريد الأمرين معًا، أو يريد بذلك إظهار نفسه مظهر الغنى مثل أن يزيد في سلعة كبيرة لا يشتريها مثله لكن ليظهر للناس أنه غني، فالمهم أن النجش هو أن يزيد في السلعة وهو لا يريد الشراء إما لإضرار المشتري أو نفع البائع أو لهما جميعًا أو لإظهار نفسه مظهر الغني، ونحو ذلك، وإنما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم لما فيه من العدوان على المشتري، بل وربما على البائع، أما على المشتري فظاهر لأنه يدل من أن يحصلها بعشرة فإنه مع النجش لا يحصلها إلا بخمسة عشر مثلًا، وأما على البائع فلأنه أدخل عليه مالًا بالباطل، ولا يحل لأحد أن يُدخل على أخيه مالًا بالباطل، ومن أدخل على أخيه مالًا بالباطل فإنه في الحقيقة لم ينفعه بل ضره.
ومن فوائد الحديث: حماية النبي صلى الله عليه وسلم أمته عما يثير العداوة والبغضاء؛ لأنه نهى عن النجش وهو مما يثير العدواة والبغضاء.
ومن فوائد الحديث: حماية الإسلام لحقوق الإنسان؛ لأن في النَّجش خِداعًا على الغير، فإذا نهى عنه هذا يتضمن حماية الإنسان من العدوان عليه.
ومن فوائده: تحريم النجش، لأن الأصل في النهي التحريم.
وهل نقول: من فوائد عدم صحة البيع في حال النَّجش؟
الجواب: لا، البيع صحيح، لأن النهي فيه هو الفعل لا العقد، والنجش لا ينقسم إلى صحيح وباطل، والذي ينقسم إلى صحيح وباطل هو الذي إذا ورد النهي عنه يُقال: إن النهي يقتضي فيه الفساد، وأما ما لا ينقسم إلى صحيح وفاسد فلا يصح أن نقول: إنه صحيح أو أنه فاسد.
فلو قال لنا قائل: الظهّار حرام هل فيه ما هو صحيح وفاسد؟
لا؛ لأنه لا ينقسم إلى صحيح وفاسد، لكن البيع إذا وقع في وقت منهي عنه مثل بعد نداء الجمعة الثاني فهو حرام وغير صحيح، لماذا؟ لأن البيع نفسه ينقسم إلى صحيح وباطل، فإذا وقع على الوجه المنهي عنه كان باطلًا، النَّجش ليس فيه تقسيم إلى صحيح وباطل بل كله حرام، فلا نقول: إن من اشترى بالنجش فشراؤه باطل، لا نقول بذلك لماذا؟ لأن النجش لا ينقسم إلى صحيح وباطل، فلا يكون العقد باطلًا.