فيقال: غلام وأمة أو عبد وأمة، والأقرب التقييد، لأنهما إذا انفصلا بعضهما عن بعض، واستغنى بعضهما عن بعض، فإن الرِّقة والرحمة التي تكون بينهما -في الغالب- تزول، ولهذا لا تجد الرقة والحنان والرأفة الذي في قلب الأم لولدها في حال صغره مساوية لذلك فيما إذا كبر، فنقول: متى كان هذا الغلام محتاجًا إلى الأم لولدها في حال صغره مساوية لذلك فيما إذا كبر؟ فمتى كان هذا الغلام محتاجًا إلى أمه أو إلى أخيه أو إلى عمه والرأفة والحنان باق، فإنه لا يجوز التفريق وأما بعد البلوغ واستقلال كل واحد منهما بنفسه، فإنه لا يحرم التفريق.
وهذا التفريق في البيع خاصة أو حتى في العتق؟ الجواب: في البيع خاصة، أما في العتق فيجوز أن يعتق الأم ويدع الولد، أو يعتق الولد ويدع الأم، لأنه لا ضرر في هذا؛ إذا إن الحر يملك نفسه، فإذا أعتقه فبإمكانه أن يرجع إلى أمه ويبقى معها؛ لأنه ليس ملكًا لأحد.
وهل يشمل الحديث التفريق بين الوالدة وولدها من البهائم؟ قال بعض العلماء بالعموم، وأنه لا يجوز أن يبيع السخلة دون أمها ولا أم السلخة دون السخلة، ولكن هذا فيه نظر؛ إذ هل نقول: لا تذبح الأم دون السخلة ولا السخلة دون الأم وهذا لا شك أنه خلاف ما هو معلوم بالضرورة من دين الإسلام، والصواب: أن هذا خاص في بني آدم فقط، وأما البهائم فا بأس، لكن يمنع من أن يذبحها أمام أمها.
[حكم التسعيرة]
٧٧٩ - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:"غلا السِّعر بالمدينة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النَّاس: يا رسول الله، غلا السِّعر، فسعِّر لنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّ الله هو المسعِّر، القابض، الباسط، الرَّازق، وإنِّي لأرجو أن القى الله تعالى، وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال". رواه الخمسة إلا النَّسائيَّ، وصحَّحه ابن حبَّان.
قوله:"غلا السعر" أي: ارتفع وزاد، يقال: غلا يغلو وكل هذه المادة الام والغين والألف أو الواو كلها فيها نوع من الزيادة: } كالمهل يغلى في البطون (٤٥) كغلى الحميم {[الدخان: ٤٦]. والغليان فيه ارتفاع وزيادة، "غلا السّعر" يعني: ارتفع وزاد فيه أيضًا زيادة، و"السعر": قيمة الأشياء، يعني مثلًا صاع البر بكذا، وصاع التمر بكذا، وصاع الأقط بكذا؛ لأنه إذا سعر فلن يزيد أحد على تسعيره، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال أن ذلك ليس إليه؛ لأن من بيده ملكوت السموات