أو بعد الحيض متصلًا بالحيض, وأن الحيض هو الدم الخالص المعروف, وإلى هذا ذهب ابن حزم رحمه الله, وأيد هذا بأدلة قوية وقال: ليس لنا أن نلزمها بما لم يلزمها الله عز وجل؛ أو نحرم عليها ما لم يحرمه الله, وذكر شيخ الإسلام رحمه الله ذلك وجها لأصحابنا الحنابلة, وهذا القول هو الذي تطمئن نفسي إليه سواء قبل الحيض أو بعد الحيض متصلة بالحيض أو منفصلة, وهذا في الحقيقة مع وضوحه وبيانه أريح للنساء؛ لأن بعض النساء تبقى معها الصفرة مدة طويلة بعد الدم, فإذا قلنا: إن الحيض هو الدم المعروف كما قال ابن حزم رحمه الله في اللغة العربية, نقول: هذا شيء معروف لا يحتاج إلى إشكال, وفي حديث أم عطية أنهم كانوا لا يعدونه شيئًا, فهو أصوب وأقرب للصواب.
يلي ذلك القول بأن الصفرة المتصلة بالحيض بعد الحيض من الحيض, وأما التي تسبق الحيض فليست من الحيض, وهذا أقرب من الأقوال الأخرى.
ويلي ذلك أن الصفرة والكدرة المتصلة بالحيض في أوله أو آخره من الحيض, والأقوال المتعددة ذكرها النووي رحمه الله في شرح المهذب.
فالقول الراجح عندي: أن الصفرة والكدرة ليستا بحيض مطلقًا, نعم لو وقع في أثناء الحيض مثلًا: امرأة عادتها خمسة أيام في بعض الأيام نصف يوم أو ساعة أو ما أشبه ذلك تجد صفرة هذا لا يعتبر طهرًا بل هو تابع للحيض, وإن لم تر الصفرة؛ لأن الجفاف أو الجفوف مدة يسيرة في أثناء الحيض تعتبر حيضًا.
[الاستمتاع بالحائض]
١٣٥ - وعن أن رضي الله عنه: «أن اليهود كانت إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اصنعوا كل شيء إلا النكاح». رواه مسلم.
قوله: «كانت اليهود إذا حاضت المرأة» أنث اليهود باعتبار الجمع؛ لأن اليهود بمعنى: القبيلة, أو الطائفة, أو ما أشبه ذلك, وقوله: «لم يؤاكلها» أي: هجروها ولا يأكلون معها, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اصنعوا كل شيء إلا النكاح» يخاطب أصحابه يعني: افعلوا مع النساء كل شيء, يعني: الأكل, والنوم, والمباشرة كل شيء إلا النكاح, والمراد بالنكاح هنا: الجماع, وليس عقد النكاح, بل الجمع.
ففي هذا الحديث فوائد, منها: تشديد اليهود في التطهر من النجاسة؛ ولهذا كانوا لا يؤاكلون