٩٥ - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استنرهوا من البول، فإن عامة عذاب القبر منه". رواه الدارقطني.
٩٦ - وللحاكم:"أكثر عذاب القبر من البول". وهو صحيح الإسناد.
قوله - عليه الصلاة والسلام-: "استنزهوا" أي: اطلبوا النزاهة، والنزاهة هي النظافة، وقوله:"من البول" أي: تخلوا عنه، ثم علل هاذ بقوله:"إن عامة عذاب القبر منه" يعني: أكثر عذاب القبر من عدم الاستنزاه من البول، وقوله:"من البول" هل هو عام؟ سبق لنا أن الشافعي رحمه الله يرى أن جميع الأبوال نجسة، فعلى هذا يكون الحديث عاما، لكن هذا القول ضعيف لما ذكرنا قبل قليل من الأدلة؛ ولأنه في الحديث الصحيح الذي أخرجه الشيخان، حديث ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين يعذبان فقال:"أما أحدهما فكان لا يستبرئ من بوله", هكذا في إحدى روايات البخاري، وعلى هذا فيكون المراد من البول - أي: البول الذي يلابسه كثيرا- وهو بول نفسه، فإن عامة عذاب القبر منه، وللحاكم:"أكثر عذاب القبر من البول".
ويستفاد من هذا الحديث: وجوب التنزه من البول لقوله: "استنزهوا من البول".
نعود لحديث أبي هريرة:"استنزهوا" أي: اطلبوا النزاهة من البول، يعني: التنظيف منه، وقوله:"من البول""أل" للعهد الذهني، يعني: البول المعهود الذي هو بول الآدمي؛ وليست للعموم كما سنذكره، "فإن عامة عذاب القبر منه" يعني: أكثر عذاب القبر بالنسبة للمؤمنين من عدم التنزه من البول، أما الكفار فإن عامة عذاب القبر عندهم من الشرك والكفر، وغير ذلك.
في هذا الحديث فوائد:
أولا: وجوب الاستنزاه من البول، لقوله:"استنزهوا من البول"، والأمر للوجوب.
ومن فوائده: أنه لا يعفى عن يسيره - أي: عن يسير البول- لقوله:"استنزهوا من البول"؛ لكن استثنى الفقهاء - رحمهم الله- يسير البول ممن به سلس دائم مع كمال التحفظ - يعني: المصاب بسلس البول- يعفى عن يسير البول بشرط أن يكون قد تحفظ تحفظا كاملا، وعللوا ذلك بأن التحفظ من يسيره وكثيره شاق وحرج، وقد قال الله - تبارك وتعالى-: {وما جعل عليكم في الدين من حرج}[الحج: ٧٨]. وهذا عام في كل مسائل الدين، وذكر نفي الحرج في الطهارة خاصة فقال:{ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم}[المائدة: ٦]. وهذا