لأنه لم يقصد التمثيل، ولكن لو أن القاضي حكم بعتقه سدًّا للباب، لئلَّا يدَّعى كل سيد أنه قطعه خطأ، وعلى هذا يفرق بين ما علما يقينا أنه خطأ وما شككنا فيه.
* * *
٤ - باب حدِّ الشَّارب وبيان المسكر
"الشارب" يعني: للخمر، و"بيان المسكر"، ما هو؟ وليعلم أن الخمر ما خامر العقل؛ أي: غطى العقل حتى لا يكون عند الإنسان إحساس عقلي، وإن كان يشعر بالألم لو ضرب لكنه ليس له إحساس عقلي، لكن يضاف إلى ذلك أنه غطى العقل على سبيل اللذة والطرب ليخرج بذلك البنج وشبهه فإنه لا يكون مسكرًا، فلا بد أن يكون هناك لذة وطرب؛ لأن قوة اللذة والطرب هي التي تجعل هذا الإنسان يفقد عقله حتى يكون كالمجنون، وحكم شرب الخمر أنه من كبائر الذنوب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم توعد عليه بأن من شربه في الدنيا لم يشربه في الآخرة، ولعن النبي صلى الله عليه وسلم شارب الخمر فهو من كبائر الذنوب، وهو مفتاح كل شر وأم الخبائث، وكم من شرور حصلت من أجل السكر، حتى في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم لما كان الخمر مباحًا حصل منه مفاسد كثيرة، ومن ذلك ما حصل لحمزة بن عبد الطلب أفضل أعمام الرسول صلى الله عليه وسلم فقد كان شاربا ذات يوم وعنده جارية تغنيه، فمر ناضحان لعلي بن أبي طالب بعيران يسقى عليهما فغنته هذه الجارية وقالت:
* ألَّا يا حمز للشُّرف النُّواء *
فأخذ السيف وجب أسنمتهما وشق بطونهما وأكل من أكبادهما وهو سكران لا يدري ماذا صنع، فجاء علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقام النبي صلى الله عليه وسلم إلى حمزة فرآه قد ثمل يعني: سكران فلما كلمه قال له حمزة: هل أنتم إلَّا عبيد أبي استحقارًا واستخفافًا فتراجع النبي صلى الله عليه وسلم، هذه الكلمة لو جاءت من عاقل لكانت كفرا لكنها من إنسان غير عاقل، ولهذا كان القول الراجح في السكران أن جميع أقواله غير معتبرة لا عقوده ولا فسوقه، كل شيء من أقواله غير معتبر فلو أن السكران: قال نسائي طوالق وعبيدي أحرار وعقاراتي أوقاف فإنه لا ينفذ شيء من ذلك؛ لأنه غير عاقل لا يدري ما يقول كما قال تعالى:{يا أيُّها الَّذين لا تقربوا الصَّلاة وأنتم سكارى حتَّى تعلموا ما تقولون}[النساء: ٤٣]. فالسُّكر يؤدي إلى مفاسد عظيمة وقرأت