وسرق أحد من الناس سرقة لحفظ حياته فإن هذا لا يقطع، وقد رفع ذلك أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي الله عنه في زمن المجاعة؛ لأن الشبهة هنا قوية وهي أن هذا السارق مضطر، والمضطر يجب على من علم بحاله أن ينقذه، فهو يقول: سواء علم بي صاحب المال أم لم يعلم لا بد أن يبذل لي من ماله ما تقوم به حياتي، أما إذا ادعى السارق أنه جائع وقال: لو لم أسرق لمت فهل يرتفع القطع عنه؟ لا؛ لأن هذا ليس مجاعة عامة، ولو أننا صدقنا مثل هذا لكان كل سارق يقول: إنه مضطر.
السرقة من مال من تجب نفقته هل فيها شبهة: نعم، فيها شبهة، فهذا رجل فقير عنده أخ غني يجب عليه أن ينفق على هذا الفقير، فسرق منه الفقير فقال: أنا سرقت منه؛ لأنه لم ينفق علي النفقة، فهذه لا شك أنها شبهة، ولكن نقول لهذا السارق: بدلًا من أن تسرق خذ من ماله - إذا قدرت عليه - ما يكفيك؛ لأنه يجوز لمن تجب نفقته على شخص ولم ينفق عليه أن يأخذ من ماله بغير علمه بقدر النفقة، أفتى بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم هند بنت عتبة حين جاءت تشكو زوجها أبا سفيان بأنه رجل شحيح لا يعطيها ما يكفيها فقال:"خذي من ماله ما يكفيك وبنيك بالمعروف".
هل سرقة الزوج من مال زوجته يقطع؟ الفقهاء يقولون: هذه شبهة؛ لأن العادة جرت بأن الزوج يتبسط بمال زوجته وكذلك العكس، مع أن الزوجة إذا سرقت فلها شبهتان الشبهة الأولى: وجوب النفقة، والثانية: البسط بمال الزوج.
فإذا قال الإنسان: يوجد امرأة لا تريد أن يأخذ زوجها منها ولا فلسًا ولا ترضى أن يتبسط بمالها فهل تقطعونه إذا سرق من مثل هذه الزوجة؟ نقول: النادر لا حكم له والعبرة بالأكثر، أكثر النساء قد يطيب لها أن يأخذ زوجها من مالها سرقة أو نهبًا وترى هذا من كمال المودة، وكذلك بالعكس هذا هو الغالب، وإذا وجدت حالات نادرة فالنادر لا حكم له، إذا ثبت القطع فمن الذي يقطع المسروق منه أم أولو الأمر؟ الثاني؛ لأنهم هم الذين توجه إليهم مثل هذه الخطابات إقامة الحدود وما أشبه ذلك، إذا كان عبدًا فهل يقطعه سيده أم ولي الأمر العام؟ الثاني، والسيد لا يقطعه، ولهذا لم يرخص الفقهاء للأسياد أن يقيموا الحدود على مماليكهم إلَّا في الجلد فقط وأما القطع فلا، ثم إن هناك محظورًا آخر نقول للسيد إذا قطع يد عبده السارق ربما نقول إنه يعتق عليه؛ لأن التمثيل بالعبد يوجب العتق، لكن يدفع هذا الإيراد بأن هذا ليس قصده التمثيل، وإنما قصده التأديب.
وما معنى قولنا: إذا مثل بعبده عتق؟ يعني: لو قطع أنملة من أصابعه عتق، ولو قطع ظفرًا من أظفاره لم يعتق؛ لأن الظفر في حكم المفصل، ولو قطعه خطأ فظاهر التعليل أنه لا يعتق؛