بلاد الإسلام المحافظة واجب، لكن من السفراء من يكون فيه خير في الدعوة إلى الله في الدفاع عن الإسلام في الدفاع عن دولته فيما هي متصفة به إلى غير ذلك من الأشياء التي يحمد عليها السفير.
[الهجرة من دار الكفار وأحكامها]
١٢١٤ - وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية". متفق عليه.
قوله:"لا هجرة"، الهجرة هي الانتقال من بلد الكفر إلى بلد الإسلام، أو من بلد يغلب على أهله البدعة إلى بلد السنة، حتى وإن كانوا يدعون الإسلام، لكن بدعتهم تكفر فهم كبلاد الكفر، يجب الهجرة من بلادهم ما دام الإنسان لا يستطيع أن يقيم السنة.
وقوله:"بعد الفتح": "أل" هنا للعهد الذهني، والمراد به: فتح مكة، وقوله:"لا هجرة بعد الفتح" يعني: من مكة، يتعين هذا المعني، لأنه لا علاقة بين فتح مكة وبين بلاد الكفر الأخرى، بلاد الكفر الأخرى باقية على كفرها ولو بعد الفتح، أهل الطائف قريب من مكة كانوا على الكفر بعد فتح مكة، إذ يتعين أن المراد لا هجرة بعد الفتح من مكة، وبهذا يزول الإشكال الذي أورده بعض العلماء على هذا الحديث، وقالوا: كيف يصح هذا الحديث مع أن الهجرة لا تنقطع حتى تطلع الشمس من مغربها؟ نقول: لا تعارض، لأن نفي الجنس هنا للبلد معين وهو مكة، وذلك أن رجلًا سأل النبي صلي الله عليه وسلم في الهجرة فقال:"لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية"، جهاد للأعداء للكفار، جهاد للقادر ونية لغير القادر، والجهاد للقادر والنية لغير القادر تقوم مقام الهجرة، بل تكون أعظم، لأن المجاهد يأتي للكفار يقاتلهم في بلدهم، والمهاجر يدع البلد ويتركها لكن لا يقاتلهم على كفرهم فالجهاد أعظم، وقوله:"ونية" المراد: نية لمن لا يستطيع الجهاد.
يستفاد من حديث جرير السابق: تحريم إقامة المسلم بين المشركين، بل هو من كبائر الذنوب، لأن النبي صلي الله عليه وسلم تبرأ منه، ولكن هذا مبني على صحة الحديث.
ومن فوائدة: أنه وإن كان مطلقًا أو عامًا فإنه لابد أن يخصص أو يقيد بما إذا أقام لمصلحة الدعوة كما لو أقام في بلاد المشركين يدعوهم إلي الله، فهنا لا يلحقه هذا الوعيد، ولكن إن وجده فائدة فليبقي وإلا فليرحل.