٥٢١ - وعن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:((البسوا من ثيابكم البياض، فإنَّها من خير ثيابكم، وكفِّنوا فيها موتاكم)). رواه الخمسة إلا النَّسائيَّ، وصحَّحه التِّرمذيُّ.
((البسوا من ثيابكم البياض))، هذا على سبيل الإرشاد وليس على سبيل الوجوب، والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس غير البياض، وكذلك الصحابة يلبسون ويقرهم النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه كان ينهاهم عن المعصفر وعن الأحمر، فدلَّ ذلك على أن الأمر هنا ليس للوجوب.
وقوله:((من ثيابكم)) ((من)) هذه لبيان الجنس، وقوله:((البياض)) المراد بالصفة هنا: الموصوف، يعني: الأبيض، وقوله:((فإنها من خير ثيابكم)) أي: من خير ما تلبسون، وقوله:((وكفنوا فيها موتاكما)) هذا الشاهد من هذا الحديث في باب الجنائز، ((كفنوا)) سبق لنا أن الكفن بمعنى التغطية: والستر، ومنه قوله تعالى: {ألم نجعل الأرض كفاتًا (٢٥) أحياءً وأمواتًا} [المرسلات: ٢٥، ٢٦].
وقوله:((موتاكم)) النسبة هنا نسبة قرابة أو نسبة جنس؟ نسبة جنس، حتى الذي غير قريب لك من المسلمين إذا مات فإنه يجب عليك أن تكفنه؛ لأن تكفينه فرض كفاية.
ففي هذا الحديث: إرشاد من النبي صلى الله عليه وسلم إلى استعمال البياض قي لباس الأحياء وفي لباس الأموات.
وفيه أيضًا: قرن الحكم بعلته لقوله: ((فإنها من خير ثيابكم))، وقرن الحكم بالعلة له ثلاث فوائد: الفائدة الأول: الإشارة إلى أن هذه الشريعة لا تأمر بشيء ولا تنهي عن شيء إلا لحكمة. هذه واحدة.
ثانيًا: زيادة طمأنينة الإنسان؛ لأن الإنسان إذا عرف علة الحكم فإنه يطمئن إليها أكثر.
الثالث: إمكان القياس على المعلل بما يشاركه في العلة فيقاس عليه في الحكم، ويقال: حكمهما واحد، مثال ذلك: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يتناجى اثنان دون الثالث من أجل أن ذلك يحزنه)). هذه العلة أعلِّت لحكم واحد وهو التناجي بين اثنين دون الثالث، لكن لكل ما كان يحزن المؤمن فإنه يقتضي هذا الحديث أن يكون منهيًا عنه؛ لأن العلة وهي الأحزان موجودة، فهاذ المثال من أبرز ما يكون على ما ذكرنا، وأظهرها أن الحكمة مقرونة بالحكم، يستفاد منه هذه الفوائد الثلاث.