للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لما يرى من المصلحة العظيمة في أن يعامل هؤلاء على ظاهر الحال وإن كان يعلمهم رأى أن يعاملهم معاملة من ينافقون فيه وهم المسلمون.

وفيه دليل على مشروعية الكفن: لقوله: ((يكفنه)).

وفيه دليل على جواز التكفين بالقميص لقوله: ((أعطني قميصك)).

وفيه دليل على جواز التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم لقميصه وإزاره ووضوئه وما أشبه ذلك، وهل هذا ثابت لغيره؟ الصواب: لا، وان غير النبي صلى الله عليه وسلم مهما بلغ من العلم والفضل والكرم لا يتبرك بآثاره.

فإن قلت: ما الدليل على أنه يتبرك بآثاره مع أن العلة هي الصلاح؟

فالجواب: أن صلاح الرسالة والنبوة لا يساويه صلاح آخر هذا من جهة فالقياس ممتنع، ثانيًا: من جهة الأثر أن الصحابة- رضي الله عنهم- أنفسهم كانوا يعرفون التفاضل بينهم، وكانوا يقرون أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر، ومع ذلك كانوا لا يتبركون بآثارهم، فنقول لأي إنسان أراد أن يتبرك بشخص عالٍ أو من يزعم أنه ولي، نقول له: هذا ليس بمشروع؛ لأن ليس من عادة الصحابة ولا من سننهم.

ويستفاد من هذا الحديث: أن المودة بالقرابة لا تعد من المودة في الدين، يؤخذ من أن عبد الله بن أبي ما سأل هذا لأبيه إلا من أجل محبته أن يخفف الله عنه، فإن قلت: هذا يرد عليه قوله تعالى: {لَّا تجد قومًا يؤمنون بالله واليوم الآخر ..... } إلى قوله: {عشيرتهم} [المجادلة: ٢٢]. فالجواب: أن المودة والمحبة الطبيعية التي متقضاها القرابة شيء آخر، فالمواد هو: الذي يسعى في طلب المودة أكثر مما تقتضيه الفطرة، ويدلك على هذا قوله تعالى: {قل إن كان ءابآؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارةٌ تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب} هذا خبر كان {إليكم من الله ورسوله وجهادٍ في سبيله فتربَّصوا} فإذا قدم محبة هؤلاء على محيبة الله ورسوله فهذا هو الممنوع؛ ولهذا تههدهم الله بقوله: {فتربَّصوا حتَّى يأتي الله بأمره} [التوبة: ٢٤].

وربما نأخذ فائدة: أن تأليف رؤساء الكفر لأجل أن يتألف الإنسان قومه، ثم إن فيه أيضًا تأليفًا لعبد الله بن أبي الابن، وذاك لا ينتفع بالقميص بلا شك.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>