وأما حديث أبي هريرة:"لا تقدموا رمضان" فيكون الجمع بينه وبين هذا الحديث بأن يحمل حديث أبي هريرة هناك على أن النهي للتحريم، وهنا على أن الني للكراهة، وإلى هذا ذهب الشافعية- رحمهم الله- وقالوا: إن ابتداء الصوم بعد نصف شعبان مكروه، أما الاستمرار فيه فليس بمكروه، وأما حديث أبي هريرة فالنهي فيه للتحريم، ولهذا جمع بين الحديثين، ولا شك أن هذا الجمع متعين عند من يرى أن هذا الحديث يصل إلى درجة الحسن، فإن الحسن كما هو معروف من أقسام المقبول وليس من أقسام الصحيح، بل هو قسيم له، والراجح- والله أعلم- أن يقال: إن الأولى عدم الصوم، ولكن لا نقطع بالكراهة لكون هذا الحديث ضعيفًا.
فإن قلت: قد مر علينا قاعدة عند بعض العلماء: أن النهي إذا كان الحديث ضعيفًا يحمل على الكراهة، فلماذا حملته هنا على أن الأولى ألا يصوم؟
فالجواب: أن حديث أبي هريرة: "لا تقدموا" يمنع أن نقول بالنهي؛ لأن مفهومه يدل على جواز تقدم الصوم بأكثر من يومين أو يوم.
* * *
[النهي عن صوم يوم عرفة للحاج]
٦٦٠ - وعن أبي هريرة رضي الله عنه:"أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة". رواه الخمسة غير التِّرمذيِّ، وصحَّحه ابن خزيمة، والحاكم، واستنكره العقيليُّ.
يقول:"نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة"، وأما في غير عرفة فقد سبق أنه يكفر السَّنة التي قبله والتي بعده، لكن في عرفة لا تصوم، والحديث هذا ضعيف كما قال العقيلي، لكن له شاهد ثابت في الصحيح من حديث أم الفضل رضي الله عنها أنها أرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم قدحًا فيه لبن وهو واقف بعرفة فأخذه وشربه والناس ينظرون إليه، ليحقق النبي صلى الله عليه وسلم لأمته أن هذا اليوم ليس يوم صوم، والحكمة في ذلك: أن هذا اليوم يوم دعاء وتضرع إلى الله- سبحانه وتعالى- والإنسان إذا صام فسوف يضعف بدنه ونفسه، لا سيما في أيام الصيف، ولا سيما في آخر النهار الذي هو أفضل ما يكون من أجزاء يوم عرفة، فإن يوم عرفة آخره أفضل من أوله، فإذا صام الإنسان في هذا الموقف- الذي لم يأت من بلده إلا لهذا الموقف وأشباهه من شعائر الحج- فإنه يفوت