٦٥ - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه: أخرج منه شيء أم لا؟ فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا". أخرجه مسلم.
قوله صلى الله عليه وسلم:"إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا" يعني: شيئا من الحركة التي هي الريح، "فأشكل عليه" أي: شك، "أخرج منه شيء أم لا"، المراد بالشيء هنا: الريح، "أم لا؟ فلا يخرجن" قال: "أم" وهذا هو الأفصح ويجوز أن يحل محلها أو "أو لا" ولكنها إذا جاءت بمثل هذا التركيب فالأولى "أم". "فلا يخرجن من المسجد" لماذا؟ ليتوضأ وليس المعنى لا يخرجن من المسجد لأن من أحدث حرم عليه البقاء في المسجد لكن فلا يخرجن من المسجد ليتوضأ. "حتى يسمع صوتا"، إن كان الخارج له صوت، "أو يجد ريحا" إن لم يكن له صوت؛ لأن الخارج من الريح إما أن يكون له صوت مسموع، وإما أن تكون له رائحة، وإما أن يجتمع الأمران، وإما أن يعدم الأمران لكن يتيقن الإنسان، كرجل لا يشم ولا يسمع فإنه إذا تيقن أنه خرج انتقض وضوؤه وإن لم يسمع ولم يشم. هذا الحديث يدل على أن الإنسان إذا شك في الحدث وهو على طهارة فإنه لا يلزمه الوضوء؛ لأن الطهارة متيقنة والوضوء باق والحدث مشكوك فيه، ولا يترك اليقين بالشك. هذه قاعدة، يعني: أخذ العلماء من هذا الحديث قواعد:
منها: أن اليقين لا يزول بالشك.
ومنها: أن الأصل بقاء ما كان على ما كان.
ومنها: أن اليقين يزول باليقين الطارئ عليه؛ لقوله:"حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا".
ومن فوائد هذا الحديث: أن الدين الإسلامي يريد من أهله أن لا يبقوا في قلق وارتباك وريب؛ لأن الإنسان إذا مشى على هذه القاعدة استراح لكن إذا صدع للأوهام والوساوس تعب فنحن نقول: استرح لو شككت وأشكل عليك فالأصل بقاء الطهارة.
ومن فوائد الحديث: أنه لو غلب على ظنه أنه أحدث فإنه لا يلزمه الوضوء؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم علق وجوب الوضوء بأمر متيقن وهو سماع الصوت، أو الرائحة، أما ما سوى ذلك فلا، وعلى هذا فلا يعمل هنا بغلبة الظن، يعني: لو أشكل على الإنسان أخرج منه شيء، سواء ريح أو بلل في رأس ذكره، أو بلل في حلقة الدبر، أو ما أشبه ذلك، وأشكل عليه وغلب على ظنه أنه خارج فلا يلتفت إليه حتى يتيقن.