ويدل على هذا أيضًا حديث قبيصة:"أقم عندنا حتى تأتي الصدقة فنأمر لك بها". وهذا واحد، والصواب أنه يجزئ من كل صنف صنفَ ومن كل صنف واحد، ولكن الأفضل أن يراعي الإنسان الحال، فإذا كان عنده عدة فقراء وكلهم في حاجة سواء فينبغي ألا يخص أحدًا، بل ينفع هذا وهذا لأنه أحسن. هذا هو ما يتعلق في قول المؤلف:"باب قسم الصدقات"، أي: توزيعها مقسومة، ثم ذكر المؤلف الأحاديث الواردة في ذلك.
[متى تحل الزكاة للغني؟]
٦١٢ - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة لعامل عليها، أو رجل اشتراها بماله، أو غارم، أو غاز في سبيل الله، أو مسكين تصدق عليه منها، فأهدى منها لغني". رواه أحمدٌ، وأبو داود، وابن ماجه، وصححه الحاكم، وأعل بالإرسال.
"لا تحل" يعني: تحرم وقوله: "الصدقة" ظاهره العموم، والصدقة: كل ما بذله الإنسان يريد به وجه الله فهو صدقة، فإن بذله يريد به التودد والإكرام سمى هدية، وإن بذله يريد بذلك مجرد نفع المعطى صار هبة وعطية، فهو على حسب النية، إذا قصد به التودد والإكرام فهو هدية، إذا قصد به وجه الله فهو صدقة، إذا قصد به نفع المعطى فهو هبة وعطية، إذا قصد به دفع الشر عنه فهو فدية يفدي بها الإنسان نفسه أو عرضه أو ما أشبه ذلك، والأخير حرام على المعطى، والذي يعطي للتوصل به إلى باطل يسمى رشوة، فهذه خمسة أقسام: صدقة، هدية، هبة، فدية، رشوة.
قال:"لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لعامل"، ما معنى:"أعل"، أي: ضعِّف؛ لأن العلة ولا سيما إذا قال:"أعل بالإرسال"، الإرسال علة قادحة، فمعناه: أنه ضعِّف حيث ذكر أنه مرسل
قوله صلى الله عليه وسلم:"لا تحل لغني"، من هو الغني؟ قال بعضهم: الغني: هو الذي تجب عليه الزكاة.
وقال بعضهم: من ملك قوت يومه وليلته فهو غني.
وقال بعضهم: من ملك خمسين درهما فهو غني.
وقال بعضهم: من وجد كفايته، وعائلته سنة فهو غني، وهذا الأخير أقربها.
أما الأول وهو يقول: من وجبت عليه الزكاة فهو غني، فإننا نقول: نعم هو غني من حيث