١٣١١ - وعنه رضي الله عنه قال:«كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم: لا ومقلب القلوب». رواه البخاري. «كانت يمينه» يعني: قسمه الذي يقسم به، وهذا ليس كل يمين، بل أحيانا يقول: والذي نفسي بيده، وأحيانا يقول: والله، وأحيانا يقول: وربي، كما أمره الله:{قل بلى وربى لتعبثن}[التغابن: ٧]. المهم: أن الرسول كان يقسم بهذا، فيكون معنى قوله:«كانت يمين» أي: من أيمان الرسول صلى الله عليه وسلم «لا ومقلب القلوب»، ويحتمل أن المعنى يمينه التي يجتهد فيها، يقول:«لا ومقلب القلوب»، وقوله:«لا» هذه للتنبيه، وليست للنفي؛ لأن هذا القسم يكون في الإثبات فتقول: لا ومقلب القلوب لأفعلن كذا أو لا أفعلن كذا، فتكون «لا» هنا كـ «لا» في قوله تعالى: {لا أقسم بيوم القيمة}[القيامة: ١]. {لا أقسم بهذا البلد}[البلد: ١]. {فلا أقسم برب المشرق}[المعراج: ٤٠].
وقوله:«مقلب القلوب» يعني: أنه يصرف إرادة الإنسان عما كان يريد، فيقلب قلبه، وتقليب القلوب حسب مشيئته-سبحانه وتعالى- قد يقلب القلب-والعياذ بالله- من خير إلى شر، ومن أسباب تقليب القلوب إلى شر ألا يقبل الإنسان الحق أول مرة ويكون عنده تردد، فإن الله يقول:{ونقلب أفئدتهم وأبصرهم كما لم يؤمنوا به أول مرة}[الانعام: ١١٠]. أي: لأنهم لم يؤمنوا به أول مرة.
فإذا رأيت من نفسك أنها لا تقبل الحق لأول مرة تتبين له فاعلم أنك على خطر؛ أنك تبتلى بأن ترد الحق ولا تؤمن به، وهذا كقوله تعالى:{بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريح}[ق: ٥]. تختلط عليهم الأمور ويضلون-والعياذ بالله- فاقبل الحق من أول ما ياتيك، حتى يكون قلبك سليما قابلا لشرع الله عز وجل.
في هذا الحديث: جواز القسم بما كان من صفات الله عز وجل، لقوله «لا ومقلب القلوب»، ولكن هذا مشروط بما إذا كانت الصفة خاصة بالله عز وجل مثل تقليب القلوب؛ لأنه لا أحد يقدر على تقليب القلوب إلا الله عز وجل، أما إذا كانت صفة تكون لله ولغيره فهذه إن نواها لله فهي يمين، وإن أطلق-وهي تقال لله ولغيره- فليست بيمين؛ لأنها لم تتعين يمينا، وإن ترجح أنها لله فهي يمين، وإن ترجح أنها لغيره فليس بيمين.
[حكم الحلف بصفة من صفاته تعالى]
فإن قال قائل: هذه صفة بمعنى أنها مشتقة فهل يجوز أن نحلف بالصفة التي هي صفة مخصة؟