ذكرنا تعريف الزكاة وفوائدها البحث الثالث متى فرضت الزكاة؟ هل في مكة أو المدينة؟ أكثر العلماء على أنها فرضت في المدينة في السَّنة الثانية من الهجرة بعد فرض الصيام، وقال بعض العلماء: إنها فرضت في مكة، وقال آخرون إنها فرضت في السنة التاسعة من الهجرة، ولكن التحقيق في هذا أن الزكاة فرضت في مكة، لكن لا على هذا التقدير المعين والأنصبة المعينة فقد قال الله تعالى في سورة الأنعام- وهي سورة مكية-: {وءاتوا حقه يوم حصاده}[الأنعام: ١٤١]. وقال في سورة المعارج:{والذين في أموالهم حقٌ معلومٌ * للسائل والمحروم}[المعارج: ٢٤]. فهناك زكاة واجبة مكية لكنها ليست على هذا التفصيل الذي استقرت عليه الشريعة الآن.
وأما الذين قالوا: إنها فرضت في التاسعة. فيقول: هذا غير صحيح؛ لأن الذي كان في التاسعة بعث السُّعاة لأخذ الزكاة من أصحابها، يعنى: أهل المواشي، وأهل الثمار، وأما الوجوب الذي هو على ما هو عليه الآن فإن هذا كان في السنة الثانية من الهجرة، فصار للزكاة ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: الوجوب لكن على سبيل الإطلاق، والإنسان ما وجب عليه شيء معين.
والثانية: الوجوب بهذا التقدير والتعيين الموجود الآن لكن بدون أن يبعث الناس لقبضها من أصحابها، وهذا كان في السَّنة الثانية من الهجرة.
والثالثة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم صار يرسل السُّعاة لقبضها من أهلها، وهذا كان في السَّنة التاسعة من الهجرة.
[حكم الزكاة]
وأما حكمها فهي فريضة بالنصِّ والإجماع، أما النص فما ذكره المؤلف في حديث ابن عباس-وسيأتي إن شاء الله-، وأما الإجماع فقد أجمع المسلمون على أن الزكاة فرض، وقالوا من جحد فرضيتها ومثله لا يجهله فهو كافر؛ لأنه مكذب لله ورسوله وإجماع المسلمين، أما إذا كان مثله يجهله- كما لو كان حديث عهد بإسلام ولا يدري عن فرائض الإسلام شيئًا- فإن أصرَّ بعد التعليم صار بذلك كافرًا، هذا من جحد وجوبها، أما من أقرَّ بوجوبها ولكنه لم يؤدها كسلًا وتهاونًا ففيه خلاف بين أهل العلم، فمنهم من قال: إنه يكفر؛ لأنها ركن من أركان الإسلام، بل لأن الله قال:{وويل للمشركين * الذين لا يؤتون الزكوة}، فجعلهم الله تعالى مشركين بذلك، وهذا القول إحدى الروايات عن الإمام أحمد رحمه الله أن تارك الزكاة كسلًا