للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بيع التمر بالتمر وشروطه]

٨٠١ - وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: «نهى رسول الله عن بيع الصبرة من التمر التي لا يعلم مكيلها بالكيل المسمى من التمر». رواه مسلم.

"النهي": طلب الكف على وجه الاستعلاء بصيغة مخصوصة وهي المضارع المقرون بلا الناهية، فقولنا: "طلب الكف" خرج به الأمر وما ليس ينهي مما أبيح، وقولنا: "على سبيل الاستعلاء" خرج به الدعاء والالتماس ونحوهما، وقولنا: "بصيغة مخصوصة" خرج به الأمر المفيد للكلف أو الأمر الذي يفيد طلب الكف مثل: دع، واترك، واجتنب، لأن هذا يفيد معنى النهي، لكنه بلفظ الأمر فلا يسمى نهيا اصطلاحا.

و"الصبرة" الكومة من التمر، وسميت صبرة لأنها محبوسة مجموع بعضها إلى بعض مثل: أن يكون عند الإنسان كومة من التمر، يقول: "التي لا يعلم مكيلها" يعني: لا يعلم كم كيلها، "بالكيل المسمى" أي: المعلوم من التمر، ووجه النهي أنه يشترط في بيع التمر بالتمر المساواة في الكيل، فهنا لا تعلم المساواة؛ لأن هذه صبرة غير معلومة، والعوض تمر معلوم، ولكن المعلوم من المجهول لا يجعل المجهول معلوما؛ فلهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع البصرة بالتمر المعلوم كيله؛ لأن التساوي فيه غير معلوم.

فإن قال قائل: أرأيتم لو خرصه وقال: إنها تساوي مائة صاع ثم باعها صاع؟

فالجواب: لا يفيد ذلك شيئا ولا يفيد الحل؛ لأن الخرص ظن وتخمين لا تعلم به المساواة.

فإن قال قائل: أليست السنة قد جاءت بجواز بيع العرايا؛ وهو بيع الرطب على رءوس النخل بالتمر المعلوم بخرص الرطب؟

فالجواب: بلى، ولكن هناك فرق بين العرايا وهذه الصبرة؛ لأن العرايا فيها رطب، والرطب يعتبر أكله تفكها في وقته، والإنسان في حاجة إلى التفكه في وقت الرطب بالرطب، فمن أجل هذه الحاجة أباح الشارع العرايا، أما تمر بتمر صبرة مكومة فليس فيه حاجة، فلهذا يكون الفرق بينها وبين العرايا ظاهرا.

ففي هذا الحديث من الفوائد: أولا: تحريم بيع الصبرة من التمر بكيل معلوم منه؛ لأن الأصل في النعي التحريم.

ومن فوائده: أنه لة جرى العقد على ذلك فالعقد فاسد؛ لأنه منهي عنه لعينه، والشيء إذا نهي عنه لعينه فإنه لا يصح؛ لأن تصحيحنا إياه مع نهي الشارع عنه مضادة لحكم الله عز وجل فإن نهي الشارع عنه يقتضي البعد وإحباط هذا الشيء، فإذا صححناه فمقتضى ذلك الإذن بممارسته والعمل به.

<<  <  ج: ص:  >  >>