للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكون الصغير- الذي لم يبلغ- إمامًا لمن كان كبيرًا بالغًا؛ لأن هذا حدث في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.

فإن قلت: ما الذي يدرينا أن النبي صلى الله عليه وسلم أقره، ربما لم يعلم بذلك؟

فالجواب: أن الله قد علمه بلا شك، وكون الله تعالي يقره ولم ينزل قرآنًا يبين بطلانه دليل علي أنه حق، ولهذا كان الصحيح من أقوال أهل العلم: أنه يجوز أن يكون الصغير- الذي لم يبلغ- إمامًا للكبير البالغ، وإذا كان هكذا فإنه يجوز أن يكون الصغير الذي لم يبلغ يكون مضافًا للرجل البالغ، فإذا وجد رجلان وطفل وأرادوا أن يصلوا جماعة، فإن الإمام يتقدم ويكون الطفل والبالغ خلفه لا في الفريضة ولا في النافلة، وقد ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في النافلة كما في حديث أنس بن مالك أنه صلى هو ويتيم خلف النبي صلى الله عليه وسلم، وما ثبت في النفل ثبت في الفرض إلا بدليل. في هذا الحديث كان عمرو بن سلمه رضي الله عنه ليس له إلا ثوب قصير إذا سجد انكشف بعض فخذه، فخرجت امرأة من الحي فقالت: غطوا عنا أست قارئكم. الإست ليس الفرج ولكنها الدبر. والمعروف عد العامة أن الإست فرج المرأة وليس كذلك فإن الإست هو الدبر-، وقولها: غطوا عنا إست قارئكم، هذا من باب المبالغة لقصر قميصه رضي الله عنه يقول: فاشتروا له ثوبًا سابغًا. يقول: فما فرحت بشيء بعد الإسلام فرحي بهذا الثوب من قلة ذات اليد والفقر.

فالمهم أنه يستفاد من هذا الحديث: أن الأولي بالإمامة الأكثر قرآنًا ولو كان هو الصغير، وأنه يجوز أن يكون الصغير- الذي لم يبلغ- إمامًا لمن كان بالغًا.

يقدم في الإمامة الأكثر قرآنًا:

٣٩١ - وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ويؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله تعالي، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلمًا- وفي رواية: سنًا-، ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه، ولا يقعد في بيته علي تكرمته إلا بإذنه". رواه مسلم.

حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: "يؤم"، أي: يكون إمامًا، وهو خبر بمعني الأمر، قال علماء البلاغة: وإذا جاء الأمر بلفظ الخبر كان أوكد من الأمر المجرد كأن الأمر مفروغ منه لا يحتاج إلي أن يؤمر به بل هو أمر مسلم به معمول به.

"ويؤم القوم أقرؤهم"، هل المراد: أقرؤهم جودة، أو المراد: أقرؤهم بمعني: أعلمهم بمعاني القرآن، أو المراد: أكثرهم قرآنًا، كلام النبي صلى الله عليه وسلم يفسر بعضه بعضًا، وقد سبق قبل قليل أنه قال: "وليؤمكم أكثركم قرآنًا"، وعلي هذا فيكون المراد بالأقرأ: الأكثر قراءة، كما أنه يشمل أيضًا الأجود في قراءته الذي يقيم الحروف ولا يسقط منها شيئًا، كما أنه يشمل أيضًا الأقرأ يعني:

<<  <  ج: ص:  >  >>