والغصب محرم بالكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقد قال الله تعالى:{يأيها الذين ءامنوا لا تأكلوا أمولكم بالبطل إلا أن تكون تجرةً عن تراضٍ}[النساء: ٢٩]. فقال:{لا تأكلوا أمولكم بينكم بالبطل}، وكل مال أخذ بغير حق فهو باطل، فيدخل في هذا النهي.
وأما في السنة فقد تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم تواترًا معنويًا على تحريم مال المسلم، ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعلن يوم عرفة في أكبر مجمع للمسلمين فقال: «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام»، وكذلك في يوم النحر في منى أكد ذلك:«إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا».
وأما الإجماع فقد انعقد على تحريم الاستيلاء على مال الغير بغير حق، والمغصوب إما أن يكون عقارًا، وإما أن يكون منقولاً، فالعقار مثل الأرض والأشجار وشبهها، والمنقول كالذي ينقل من مكان إلى مكان كالدراهم، والدنانير، والثياب، والسيارات، والأواني، والأمتعة وكلها يدخل فيها الغصب أعني العقار والمنقول ويحرم فيها الاستيلاء على حق الغير بغير حق، ثم ذكر المؤلف حديث سعيد بن زيد.
٨٥٥ - عن سعيد بن زيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«من اقتطع شبرًا من الأرض ظلمًا طوقه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين». متفق عليه.
"اقتطع" يعني: أخذ قطعة من الأرض ظلمًا، "الشبر": هو ما بين رأس الخنصر والإبهام عند مد الأصابع، وكان هو المقياس منذ عهد بعيد؛ لأنه في الحقيقة متر لازم للإنسان دائم كل إنسان معه متر إذا اعتبرنا الشبر وكذلك إذا اعتبرنا الذراع، وهو ما بين رأس المرفق إلى رأس الأصبع الوسطى وهو مقياس، وكذلك "الباع" ما بين الخطوتين عند مد الرجل هذا أيضًا مقياس، ثم ظهرت المقاييس الأخيرة وهي المتر وفوعه، لكن أدنى شيء يقدر به في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم في الغالب الشبر، وإن كان قد يقاس بالأنملة كما في قص المرأة رأسها عند النسك.
وفي رواية للبخاري:«من اقتطع شيئًا»، فيشمل الشبر فما دونه وما فوقه.
وقوله:«شبرًا» هذا تقدير بالأقل للمبالغة، وما كان تقديرًا للمبالغة فليس له مفهوم لا قلة