السجدة منه توبة إلى الله، وصارت منا من أجل التلاوة، لما مررنا بهذه الخطبة سجدنا اقتداء بداود (صلى الله عليه وسلم)؛ لأن الله يقول:{أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده}(الأنعام: ٩٠).
[حكم سجود القارئ والمستمع والسامع]
٣٢٧ - وعنه (رضي الله عنه): "أن النبي (صلى الله عليه وسلم) سجد بالنجم". رواه البخاري.
٣٢٨ - وعن زيد بن ثابت (رضي الله عنه قال:"قرأت على النبي (صلى الله عليه وسلم) النجم، فلم يسجد فيها}. متفق عليه.
هذان الحديثان تضمنا مسألتين: الأولى: أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قرأ بسورة النجم فسجد فيا. سورة النجم آخرها قوله تعالى {فاسجدوا لله واعبدوا}(النجم: ٦٢). فإذا بلغها الإنسان فليسجد؛ لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) سجد فيها وسورة النجم من المفصل، أما حديث زيد بن ثابت أنه قرأ على النبي (صلى الله عليه وسلم) فلم يسجد فيها، فهذا دليل على أنه لا يسجد في هذه الآية من سورة النجم، ولهذا ذهب بعض أهل العلم إلى أن السجدات التي في المفصل قد نسخت مشروعية السجود فيها، واحتجوا بأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قرأ عليه زيد بن ثابت سورة النجم فلم يسجد، ومعلوم أن سجوده (صلى الله عليه وسلم) في سورة النجم كان في مكة قبل الهجرة، وقراءة زيد بن ثابت كانت بعد الهجرة في المدينة فيؤخذ بالآخر فالآخر، ولكن الاستدلال بهذا الحديث فيه نظر ظاهر؛ لأن القارئ زيد بن ثابت وليس رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ولكن زيدًا لم يسجد وإذا لم يسجد القارئ فإن المستمع لا يسجد، ولهذا لما لم يسجد القارئ- وهو زيد بن ثابت- لم يسجد النبي (صلى الله عليه وسلم) وحينئذ لا يمكن أن نقول: بالنسخ ويدل على بطلان القول بالنسخ أن أبا هريرة- وهو قد أسلم في السنة السابعة من الهجرة- روى أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قرأ في صلاة العشاء بسورة (الانشقاق) وسجد فيها، وقال (رضي الله عنه): "لا أزال أسجد فيها حتى أموت"، أو كلمة نحوها.
فالصواب: أن السجدات اللاتي في المفصل مشروعة سجودها باقية، وأنه لا دلالة في حديث زيد بن ثابت على أنها منسوخة؛ بل في حديث زيد بن ثابت دلالة على أنه إذا لم يسجد القارئ لا يسجد المستمع وها هنا ثلاثة: قارئ، ومستمع، وسامع. قال أهل العلم: فيسن السجود للقارئ والمستمع دون السامع. القارئ واضح، والمستمع هو: الذي ينصت ويتابع القارئ، والسامع هو: الذي سمع إنسانًا يقرأ سجدة وهو لم ينصت لقراءته ولم يستمع إليها، فهذا لا يسجد ولو سجد القارئ فالقارئ أصل والمستمع فرع والسامع ليس أصلًا ولا فرعًا، فإذا سجد