ثانيًا: حكمة الشارع في أنه ينبغي للإنسان أن يكون مع نفسه عدلًا في معاملتها؛ لأنه إذا صام ثم استقاء بقي بطنه خاليًا من الطعام والشراب، والشارع أمرنا أن نتسحر ليكون في بطوننا ما يعيننا على الصوم، فإذا أخرجنا ما في البطن هذا يكون غير عدل، فمن ثمَّ صار هذا سببًا مفطرًا فيفطر به الإنسان، وهو نظير الحجامة من بعض الوجوه، ونظير الجماع أيضًا من بعض الوجوه؛ لأن الجماع يخرج من الإنسان الماء وهو موجب للفطور وضعف البدن، فكان من الحكمة أنه يفطر، انظر إلى حكمة الشرع، إن تناول الإنسان ما يغذي به بدنه وهو صائم أفطر؛ لأن ذلك يفقده حكمة الصوم، وإن أخرج ما به ما عليه اعتماد بدنه أفطر، وهذا من الحكمة، فلا تدخل على بدنك شيئًا ولا تخرج منه شيئًا، كن معتدلًا اجعل كل شيء على طبيعته.
ومن فوائد الحديث: أن ما غلب على الإنسان من المحظورات فلا أثر له، مثاله في الصلاة: رجل غلبه الكلام حتى تكلَّم، مثل سقط عليه شيء، وقال:"أح"، هذا غصب عليه، مثل: إغماض العين إذا أقبل عليها شيء، كذلك أيضًا: الظاهر أن الموسوس من هذا النوع، ويدل لهذا قوله تعالى:{لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها}[البقرة: ٢٨٦].
لو قال قائل: هل من الغلبة الضحك؟ فطن لشيء فقهقه، الغريب أن الضحك يقول العلماء: أنه مبطل للصلاة مطلقًا، قالوا: لأنه منافٍ للصلاة فهو كالحدث؛ لأن الإنسان لو كان بين يدي شخص مهيب من بني آدم لا يمكن أن يضحك أمامه إلا بسبب، فيرون أن هذا لا يجوز، لو فطن لشيء وتبسم بدون صوت هذا لا يبطل الصلاة؛ لأنه ليس من القول، غاية ما هنالك أنه فعل قد يغلب عليه وقد لا يغلب، إنما نصَّ العلماء على أنه إن كان للتبسم فلا يبطل الصلاة، وأن الضحك يبطلها مطلقًا، وعللوا ذلك بأنه نوع استخفاف بالله عز وجل الذي وقف بين يديه، ولكن قد يقول قائل: إن الضحك إذا كان غصب على الإنسان- يعني: رجل حاضر بين يدي الله- لكن سمع شيئًا لا بد أن يضحكه وضحك، فظاهر كلام الفقهاء- رحمة الله عليهم- أنه يبطل الصلاة، وهذا عندي أنه وإن كان من حيث النظر فيه شيء، لكن من حيث التربية يكون أحسن للناس، فيقال له: أعد صلاتك، حتى لا يعوَّد في المستقبل ألَّا يقهقه أبدًا.
[حكم الصيام في السفر]
٦٤٠ - وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه:"أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح إلى مكَّة في رمضان، فصام حتَّى بلغ كراع الغميم، فصام النَّاس، ثمَّ دعا بقدح من ماءٍ فرفعه، حتَّى نظر النَّاس إليه، فشرب، ثمَّ قيل له بعد ذلك: إنَّ بعض النَّاس قد صام. فقال: أولئك العصاة، أولئك العصاة".