ثالثا: أنه لا فرق بين الاغتسال فيه والاغتسال منه؛ لأن الألفاظ تدل على ذلك، وحتى لو فرض أنه ليس فيه. لفظ:"منه" نقول: إذا نهي عن الاغتسال فيه فالاغتسال منه بمعناه، ولو نهي عن الاغتسال منه فالاغتسال فيه بمعناه.
[اغتسال الرجل بفضل المرأة والعكس]
٦ - وعن رجل صحب النبي صلى الله عليه وسلم قال:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل المرأة بفضل الرجل، أو الرجل بفضل المرأة، وليغترفا جميعا". أخرجه أبو داود، والنسائي، وإسناده صحيح.
قوله:"نهى"، النهي طلب الكف على وجه الاستعلاء بصيغة مخصوصة، فقولنا: طلب خرج به الخبر، الخبر ليس طلبا اللهم إلا أن يكون بمعناه بدليل آخر، والثاني: طلب الكف خرج به الأمر؛ لأن الأمر طلب الفعل، وقولنا: على وجه الاستعلاء خرج به الدعاء والالتماس، فقولنا: ربنا لا تؤاخذنا، لا يمكن أن نقول إنه نهي؛ لأن القائل ربنا لا تؤاخذنا هل قاله على وجه الاستعلاء؟ لا، قالها على وجه الاستذلال والاستعطاف، خرج أيضا الالتماس، الالتماس أن يقول الإنسان لزميله أو من كان في درجته أو قريبا منه: لا تفعل. مثلا رأيت إنسانا يعبث، قلت: يا أخي، لا تعبث، أنت ليس لك سلطة عليه؛ لأنك قلت: لا تعبث، وعبثه قليل إلا أن يزيد؛ لأنه ليس لك سلطة عليه، لكن تقول: لا تعبث التماسا.
وقولنا: بصيغة مخصوصة. فما هذه الصيغة؟ صيغة النهي واحدة وهي: المضارع المقرون ب "لا" الناهية، تقول: لا تفعل ها نهي، أما ما دل على الكف بصيغة الأمر فهو أمر كقوله تعالى:{فاجتنبوا الرجس من الأوثن واجتنبوا قول الزور}[الحج: ٣٠]. لا شك أن هذا نهي عن أن نمارس الرجس من الأوثان، لكنه لا يسمى نهيا اصطلاحا لماذا؟ لأنه بغير صيغة النهي "اجتنبوا" هذا طلب كف على وجه الاستعلاء، وهذا هو الأمر، إذن النهي: طلب الكف على وجه الاستعلاء بصيغة مخصوصة. فإذا قال الصحابي: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، نجعله كالصيغ الصريحة أو نقول هذا في حكم الصيغة الصريحة؟ الثاني: نعم، لأن كلمة "نهى" ليست ككلمة لا تفعل، قد يفهم الإنسان من شخص تكلم معه بكلام أنه نهى وهو لم ينه، لكن لثقتنا بالصحابة وثقتنا بمعرفتهم لخطاب النبي صلى الله عليه وسلم بقرائن اللفظ الحال يجعلنا نجزم بأن النهي وإن ورد بلفظ "نهى" أو "كان ينهى" فهو مثل النهي الصريح.