في هذا الحديث فوائد وهي: وجوب الوفاء بالعهد، وقد دل على ذلك نصوص كثيرة منها قوله تعالى:{وأوفوا بالعهد إنَّ العهد كان مسئولاً}[الإسراء: ٣٤].
ومنها: أن الله أمر بقتال الكفار إلا المعاهدين.
ومنها: أن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل الغدر بالعهد من علامات النفاق هذه أدلة سمعية أما الأدلة العقلانية فلأننا لو غدرنا بالعهد مع أعدائنا لكان هذا وصمة عار في ديننا لأنهم بعد ذلك يقولون: هذه أمة الإسلام تغدر بالعهد، الغدر بالعهد من كبائر الذنوب لأنه رتب عليه عقوبة خاصة.
فإن قال قائل: إذّا خفنا من نقض العهد؟
نقول: هذا الخوف إما أن يكون قبل إبرام العهد أو بعد إبرام العهد، فإن كان قبل إبرام العهد فإننا لا نبرمه معهم، لأن هذا يعتبر ذلاً، وإما أن يكون ذلك بعد العهد فهؤلاء لا يجوز أن ننقض عهدهم لكن ماذا نصنع؟ ننبذ إليهم على سواء لقوله تعالى:{وإمَّا تخافنَّ من قومٍ خيانةً فانبذّ إليهم على سواء}[الأنفال: ٥٨]. فإن وفوا بالعهد وجب علينا أن نفي بالعهد لقول الله تعالى:{فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إنَّ الله يحبُّ المتقين}[التوبة: ٧]. وإن نكثوا العهد وجب قتالهم وقد حث الله عليه حثًّا بينًا فقال:{وإن نَّكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمَّة الكفر إنَّهم لا أيمان لهم لعلَّهم ينتهون}[التوبة: ١٢]. فصار المعاهدون ثلاثة أقسام.
ومن فوائد الحديث: بيان وفاء الرسول صلى الله عليه وسلم حتَّى مع أعدائه؛ لأن قوله:"لا أخيس بالعهد" عام.
ومنة فوائده: منع حبس السبيل- رسل الأعداء- الَّذين يأتون للمفاوضة.
فإن قال قائل: إذا خفنا أن يكون هذا الرسول الَّذي أرسل عينًا للمشركين- ومعنى عينًا أي: جاسوسًا- فهل نحبسه؟
نقول: نعم نحبسه؛ لأن الأعداء ربما يرسلون رسولاً لا يريدون الصلح ولا التفاوض لكن يرسلون هذا الرسول ليعلم ما نحن عليه فيرجع وقد جسّ علينا، فمثل هذا إذا علمنا بالقرائن أنه قدم لهذا وجب علينا أن نحبسه؛ لأنه أهدر حقه بكونه عينًا للمشركين.
[حكم الأرض المفتوحة]
١٢٥٥ - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أيما قريةٍ أتيتموها فأقمتم فيها؛ فسهمكم فيها، ، وأيما قريةٍ عصت الله ورسوله؛ فإن خمسها لله ورسوله، ثمَّ هي لكم". رواه مسلم.