ومن فوائد ذكر العلة المقرونة بالحكم: إمكان القياس بحيث يلحق بهذا المنصوص عليه ما يساويه في تلك العلة.
فإن قال قائل: إمكان القياس حاصل وإن لم تذكر العلة.
فالجواب: أن الأمر كذلك، ولكن لا شك أن العلة المنصوصة أقوى من العلة المستنبطة؛ العلة المستنبطة قد تكون هي المرادة للشارع وقد لا تكون؛ لكن العلة المنصوصة لا شك أنها هي المقصودة للشارع، فهي أقوى، ثم إن العلة المنصوصة يقوي الإنسان على إلحاق المسكوت عنه بالمنطوق إذا شاركه في العلة، بخلاف العلة المستنبطة، ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث من أجل أن ذلك يحزنه»، هذه العلة استفدنا منها فوائد عظيمة، وهي: أن كل ما يحزن المسلم فإنه منهي عنه، وكل ما يسره فإنك مأمور به وإن لم تؤمر به لعينه، لكنك مأمور به لجنسه، فكل ما يسر المؤمن فإنك مأمور به كما أنك منهي عن كل ما يحزنه.
ومن فوائد الحديث: أن هذا الحكم -أعني: بيع الرطب باليابس- من الربويات إذا كان من جنسه عام في التمر بالرطب وغيره، وعلى هذا فيكون بيع الحب بالحب اليابس غير جائز؛ لأنه سوف ينقص إذا جف.
[بيع الدين بالدين]
٨١١ - وعن ابن عمر رضي الله عنهما:«أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الكالئ بالكالئ، يعني: الدين بالدين». رواه إسحاق والبزار بإسنادٍ ضعيفٍ.
والنهي: طلب الكف على وجه الاستعلاء، يعني: أنه يوجه إلى شخص طلب الكف عن شيء معين على وجه الاستعلاء، فقولهم:"طلب الكف" خرج به الأمر وما ليس بأمر ولا نهي: الإباحة؛ لأن الأمر طلب الفعل، والإباحة لا بطلب فعل ولا كف، وقولهم:"على وجه الاستعلاء" خرج به ما كان على وجه المساواة أو كان على وجه الأدنى، بمعنى: أن الأدنى يوجه النهي إلى الأعلى، فالأول يسمونه التماس كقول الزميل لزميله لا تشوش علي، وإذا كان من أدنى إلى أعلى يسمى دعاء وسؤالاً، ومعلوم أن توجيه الرسول صلى الله عليه وسلم النهي لأمته من باب طلب الكف على وجه الاستعلاء؛ لأن أمره مطاع صلى الله عليه وسلم؛ ولكنه أشد الناس تواضعاً للخلق.