وللحق قال:«نهى عن بيع الكالئ بالكالئ» يعني: المؤخر بالكالئ بالمؤخر، وهذا الحديث أولاً: إسناده ضعيف، وثانياً: ليس على إطلاقه ولا عمومه، وإنما يشمل صوراً معينة وهي التي يكون فيها شيء من المحظور الشرعي، وله صور منها: بيع الدين بالدين على الغير مثل: أن يحضر إلي شخص ويقول: أنت تطلب فلاناً مائة صاع بر يعني: إياه بمائتي ريال أسلمها لك بعد سنة، هذا لا يجوز، لماذا؟ لأنه بيع دين في ذمة الغير قد يقدر على استلامه وقد لا يقدر، وثانياً: أن فيه ربحاً فيما لم يضمن، وقد مر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ربح ما لم يضمن، يعني: أم الدين الذي في ذمة الغير لي لم يدخل في ضماني، متى يدخل في ضماني؟ إذا تسلمته، ومن المعلوم أنني إذا بعته مؤجلاً فإنه سيزيد ثمنه؛ لأنه ليس البيع المؤجل كالبيع الحاضر وحينئذ بعت ما لم يدخل في ضماني وبعت ما يكون مشكوكاً في القدرة عليه، هذه صورة، كذلك أيضاً من بيع الدين أن يكون عند شخص لي مائة درهم فتحل المائة ويأتي إلي ويقول: ليس عندي شيء، فأقول: نجعل المائة بمائة صاع بر إلى سنة فهذا لا يجوز، لماذا؟ لأنه -كما قلنا- سوف يربح فيما لم يضمن؛ لأنه ليس ثمن الحاضر كثمن المؤجل، فمائة صاع بر بمائة درهم، التي في ذمتي مائة درهم وأنا بعته بمائة صاع بر يمكن لو بعته بحاضر لا أحصل بمائة درهم إلا تسعين صاعاً، والآن أنا بعت بمائة فربحت فيما لم أضمن؛ ولأنه يؤدي إلى قلب الدين بهذه الحيلة على المدين كيف ذلك؟ لما حل الأجل لمائة الدرهم جعلناها بمائة صاع إلى سنة فحلت السنة وليس عنده بر، فأقول: تكون بمائة صاع شعير، أو أقول: بعت مائة صاع بر تكون بمائة وعشرين درهم، وحينئذ تؤدي إلى قلب الدين ويكون ذلك شبيهاً بما نهى الله عنه في قوله:{يا أيها الذين ءامنوا لا تأكلوا الربوا أضعافاً مضاعفةً}[آل عمران: ١٣٠].
وقد يكون أيضاً من صوره: أن يبيع الإنسان ما في ذمة الغير المعسر على شخص آخر بدراهم أقل، ففي ذمة هذا الفقير لشخص ألف درهم فيأتيه إنسان ويقول: بعه علي بخمسمائة درهم وأنا وحظي مع هذا الفقير، فهذا أيضاً لا يجوز؛ لأنه أولاً: بيع دراهم بدراهم بدون قبض، والثاني: لأنه بيع شيء لم يدخل في ضمانه، والثالث: أنها شبيهة بالميسر؛ لأن هذا اشتراها- الألف بخمسمائة- إن قدر عليها فهو غانم وإن عجز فهو غارم، وهذه هي قاعدة الميسر كل عقد يتضمن إما الغرم وإما الغنم.
وعلى هذا نقول: هذا الحديث إن صح يجب أن يحمل على ما دلت النصوص على منعه لا على كل دين بدين، وبناء على هذا لو اشتريت منك مائة صاع بر بمائة درهم ولا أحضرنا الدراهم ولا البر فإن ذلك على القول الراجح جائز ولا بأس به؛ لأن كلا منها غير مؤجل بل هو حاضر وليس فيه محظور إطلاقاً، وعمل الناس الآن على هذا فيأتي الإنسان يشتري من شخص