الله جزاء لتقواكم وقولكم القول السديد، ثم قال جملة عامة:{وَمَن يُطع الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَاز قوّرًا عظيمًا}[الأحزاب: ٧١]، والفوز هو حصول المطلوب والنجاة من المرهوب، ودليل ذلك قوله تعالى:{فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ}[آل عمران: ١٨٥]. فبالزحزحة عن النار يحصل زوال المكروه وبإدخاله الجنة يحصل المطلوب، فالفوز هو هذا، {فَقَد فاز قوّرًا عظيمًا}، [الأحزاب: ٧١] ومَن يعص الله ورسوله فقد خسر، وفي نفس السورة:{وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا}[الأحزاب: ٣٦] فالإنسان العاصي ضال ضلالاً مبينا، والإنسان المطيع فائز فوزاً عظيمًا، وانظر أي الطريقين تريد؟ الطاعة التي بها الفوز في الدُّنيا وفي الآخرة.
[آداب الخطبة: حكم النظر إلى المخطوبة وضوابطه]
? ? ٠ - وعن جابر (رضي الله عنه) قَالَ: قَالَ رَسول الله (صلى الله عليه وسلم): «إذَا خَطبَ أَحَدُكُم المرأة، فَإِن استطاع أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا إِلَى مَا يَدْعُوهُ إلى نكاحها، فَلْيَفْعَل». رَوَاهُ أحمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَرِجَاله ثقات، وصححه الحاكم.
وإذا خطب أحدكم يعني: إذا أراد أن يخطب كما جاء في الرواية الأخرى عند أحمد أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: «إذا ألقى الله في قلب امرأة خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها». فإذا أراد أن يخطب امرأة فلينظر، والتعبير بالفعل عن إرادته كثير في القرآن وفي السنة، ففي القرآن في قوله تعالى {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ}[النحل: ٩٨] يعني: إذا أردت أن تقرأ، وفي السُنة: «كان النبي (صلى الله عليه وسلم) إذا دخل الخلاء قال: أعوذ بالله من الخبث والخبائث» أي: إذا أراد الدخول، ولا يعبر بالفعل عن إرادته إلا إذا كانت الإرادة جازمة وكان الفعل متعقبا لها، فمثلاً إذا قرأت القرآن فاستعذ لابد من إرادة جازمة، ولابد أن تكون القراءة متعقبة للإرادة، أما أن يريد أن يقرأ مثلاً بعد العصر فلا يمكن أن يعبر عنه بأنه قرأ في الصباح، لأنه قد بعُد الزمن بين الإرادة والفعل.
قال:«إذا خطب»، وأصل الخطبة هو طلب الزواج والنكاح، وكانوا إذا أرادوا ذلك قدّموا بين يدي هذا الطلب خطبة يجعلونها وسيلة للقبول، فمثلاً يذهب الرجل إلى أهل المرأة ويخطب، فيخبر عن نفسه، ثم يقول: وأنا أتقدم إلى ابنتكم أو ما أشبه ذلك، ولكن هذا الأسلوب يختلف باختلاف الناس وباختلاف الأحوال، أحيانا يمكن للإنسان أن يذهب بنفسه