انتهى الآن الكلام على كتاب الصلاة، والعلماء- رحمهم الله- يقسمون العلم إلى أقسام، بدءوا بالصلاة، لأنها آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين، والفقهاء لم يتكلموا على الشهادتين؛ لأن الكلام فيها عند أهل التوحيد والعقيدة، لكن يتكلمون على الأصول العملية، فتكلموا على الصلاة وما يتعلق بها من الشروط كالطهارة، ثم ثنُّوا بالزكاة؛ لماذا؟ لأنها آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين؛ ولأنها قدِّمت في حديث النبي صلى الله عليه وسلم:"والإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت". فلهذا قدموها.
[مفهوم الزكاة]
والزكاة لها معنيان: لغوي وشرعي، والشرعي أيضًا له معنيان: زكاة النفس بالإيمان، وزكاة النفس ببذل المال.
فأما الزكاة في اللغة: فهي النماء والزيادة، ومنه قولهم:"زكى الزراع" أي: نما واشتد وطال، وكذلك تأتي الزكاة بمعنى: الزيادة، فإنهم يقولون:"زكى مال فلان" يعني: زاد وكثر.
وأما الزكاة في الشرع فقد قلت: إنها زكاة النفس، وزكاة المال، وكلاهما زكاة نفسٍ في الواقع، لكن الأول زكاة النفس بالإيمان، والثاني زكاة النفس ببذل المال.
زكاة النفس بالإيمان لها أمثلة، منها قوله تعالى:{قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها}[الشمس: ٩، ١٠]. أي: من زكى نفسه، ومنه قوله تعالى:{وويل للمشركين * الذين لا يؤتون الزكوة وهم بالأخرة هم كافرون}[فصلت: ٦، ٧]. فإن كثيرًا من المفسرين يقولون المراد بالزكاة هنا: زكاة النفس بالإيمان، لأنه قال:{للمشركين * الذين لا يؤتون الزكوة}، وليس إتيان الزكاة بأعظم من فعل الصلاة، فدلَّ على أن المراد بالزكاة هنا زكاة النفس بالإيمان.
وأمَّا الزكاة بالمال فهي كثيرة، منها قوله تعالى:{وما ءاتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله ومآءاتيتم من زكوة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون}[الروم: ٣٩]. المراد بالزكاة هنا: