وليعلم أن الشهادة تطلق على شيئين: تحمل وأداء، أما التحمل فإنه فرض كفاية قال الله تعالى:{ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا}[البقرة: ٢٨٢]، أي: إذا دعوا.
وأما الأداء ففرض عين، لقوله تعالى:{ولا تكتمزا الشهادة ومن يكتمها فإنه أتم قلبه}[البقرة: ٢٨٣]، إذا كان حضر القضية من حضر لكن هؤلاء الذين حضروا قد لا تقبل شهادتهم لفسقهم أو قرابتهم من المشهود له أو عداوتهم للمشهود عليه أو ما أشبه ذلك، فهل تكون الشهادة الآن فرض عين على الحاضر؟ الجواب: نعم، فإذا حضر من لا تقبل شهادته أو يحتمل أن يرد شهادته صار فرض عين على الآخرين.
والخلاصة: تحمل الشهادة فرض كفاية وأداؤها فرض عين، ثم هل الأولى أن يبادر الإنسان بالشهادة قبل أن يستشهد، أو الأولى ألا يشهد حتى يستشهد؟ يؤخذ هذا الحكم من الحديثين الآتيين.
[خير الشهود الذي يشهد قبل أن يسأل]
١٣٤٠ - عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«ألا أخبركم بخير الشهداء؟ هو الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها». رواه مسلم.
"ألا" هذه أداة عرض، و"هلا" أداة تحضيض، والتحضيض عرض بحث، والعرض عرض بلا حث، والفائدة من قوله:"ألا أخبركم" يعني: من هذا العرض تنبيه السامع من أجل أن يحضر ذهنه ليسمع ما يقال، والخطاب في قوله:"ألا أخبركم" للحاضرين عند الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقوله:"بخير الشهداء" أي: أفضلهم، و"خير" أصلها: أخير؛ لأنها اسم تفضيل واسم التفضيل، على وزن أفعل، وبكن حذفت الهمزة تخفيفا لكثرة الاستعمال فصار خيرا ومثله شر، تقول: شر الناس منزلة كذا وكذا، أي: أشر، لكن يقال في حذف الهمزة منها كما يقال في حذف الهمزة من خير، ومن ذلك أيضا:"الناس" قالوا: أصلها: الأناس، وحذفت الهمزة للتخفيف لكثرة الاستعمال، و"الشهداء" جمع شهيد وهو الذي يشهد بأحد الطرق الستة التي ذكرناها.
ثم قال:"الذي يأتي للشهادة""الذي" خبر مبتدأ محذوف تقديره: هو الذي يأتي بالشهادة، "قبل أن يسألها" ولم يعين السائل، لأن السائل قد يكون الحاكم وقد يكون المشهود له، فلذلك أبهمه النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقل: قبل أن يسأله صاحب الحق، ولم يقل: قبل أن يسأله الحاكم أيضا، من أجل أن يشمل هذا وهذا، أما لو سأله من لا علاقة له بالقضية فلا عبرة بسؤاله.