أولاً: إذا أسلموا قبل قتالهم أحرزوا دماءهم وأحرزوا أموالهم أيضًا ولا يجوز أن نأخذ من أموالهم شيئًا، لا من الأموال المنقولة ولا من الأموال غير المنقولة، لأنهم أسلموا وقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم)"أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله تعالى فهؤلاء الذين أسلموا بمجرد أن أسلموا لا يجوز أن نتعرض لهم قد أحرزوا دماءهم وأموالهم.
الحال الثانية: أن يسملوا بعد القتال، فما أخذ من أموالهم حال القتال وقبل الإسلام فهو غنيمة للمسلمين وما لم يؤخذ فهو لهم ومنه غير المنقول كالأراضي فإذا أسلموا على أراضيهم فلا يجوز أن نقسمها بين الغانمين، لأنهم أسلموا عليهم فتكون لهم ويحرزون بذلك أموالهم التي لا تنقل وكذلك الأموال التي كانت بأيديهم بعد أن أسلموا، لأنهم صاروا محترمين معصومين أما إذا أسلموا بعد المقاتلة وبعد أن غنمنا أموالهم فما غنمناه من الأموال فهو غنيمة وكذلك لو اسلموا بعد أن فتحنا أرضهم عنوة وملكناها فإن هذه الأرض للإمام أن يصالحهم فيها على ما يريد مما تقتضيه المصلحة.
[معرفة الجميل لأهله]
١٢٣٦ - وعن جبير بن مطعم (رضي الله عنه) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال في أساري بدر: "لو كان المطعم بن عدي حيًا، ثم كلمني في هؤلاء النتني لتركتهم له" رواه البخاري.
"في أساري بدر" يعني: الذين أسروا في بدر، وكان عددهم سبعين نفرًا أسروا، وقتل سبعون، هؤلاء جاء بهم الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى المدينة، وقال: "لو كان المطعم بن عدي- الذي هو أبو جبير- حيًا ثم كلمني ... الخ" "النتني" جمع نتن، والنتن: الرائحة الكريهة المستقذرة وإنما وصفهم بذلك لأنهم مشركون، والمشرك نجس كما قال الله تعالى:{إنما المشركون نجس}[التوبة: ٢٨]، وقوله: "لتركتهم له" يعني: لأطلقتهم، وهذا فيه المن بال شيء، وسبب ذلك- يعنيك سبب ذلك هذا القول- أن النبي (صلى الله عليه وسلم) لما رجع من الطائف بعد أن ردوا دعوته ودخل مكة أجارة المطعم بن عدي وركب فرسه وأمر أبنية أن يكون أحدهما عن يمينه و [الآخر] عن الشمال وكان مجيرًا لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) من أن يناله سوء من قريش فمن أجل هذه الحسنة العظيمة التي فعلها بين الرسول (صلى الله عليه وسلم) أنه أحق الناس برد الجميل وأن المطعم لو كلمه في هؤلاء لتركهم له.