للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويستفاد منه أيضًا: بيان مرتبة الدين الإسلامي وهو أنه لا يمكن أن يعلوه أي دين لقوله: "ولا يعلى" وهذا خبر كما قلت لكم لكنه يتضمن أحكامًا منها ما ذكره العلماء: أنه لا يجوز للكفار أن يعلو بنيانهم على المسلمين إذا كانوا في بلد واحد وأراد الكافر أن يعلي بنيانه على من حوله من المسلمين فإنه يمنع لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه.

ومنها: أن العلماء كرهوا أن يكون الإنسان المسلم مستخدمًا عند الكافر ويكون خادمًا له شخصيًا فإن هذا من إذلال المسلم والعلو عليه، ولهذا يستطيع الَّذي استخدمه أن يقول: يا فلان هات الحذاء ألبسني إياه، اغسل ثوبي، ولهذا قال العلماء: إنه يكره ولو قيل بالتحريم لم يبعد، وأما استخدام الكافر للمسلم في جهة لا لعينه كما لو كان الكافر رئيسًا في شركة أو غير ذلك، فإن هذا الَّذي يخدم ليس يخدم الكافر وإنما يخدم الشركة أو المصلحة الحكومية أو ما أشبه ذلك فلا يعد هذا من باب استخدام الكافر للمسلم ومنها-أي: من الأحكام المترتبة على أن الإسلام له العلو- أننا لا نبدأغير المسلمين بالسلام، ولهذا أتى المؤلف رحمه الله بحديث أبي هريرة بعد ذلك؛ لأن الإسلام هو الذي يجب أن يكرم أهله، وأما غير الإسلام فلأهله الإهانة والإذلال وعلى هذا ننتقل إلى حديث أبي هريرة.

[السلام على الكفار وحكمه]

١٢٦٠ - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تبدءوا اليهود وانَّصارى بالسَّلام، وإذا لقيتم أحدهم في طريقٍ، فاضطرُّوه إلى أضيقه". رواه مسلم.

اليهود: هم الَّذين يدَّعون أنهم أتباع موسى، والنصارى هم الَّذين يدعون أنهم أتباع عيسى، سمي اليهود بذلك نسبة إلى جدهم يهوذا، وسمي النصارى بذلك من المناصرة؛ لأنهم نصروا عيسى ابن مريم؛ أعني: أن طائفة منهم نصرته وطائفة لم تنصره كما هو معروف في آية الصف، وقيل: إنهم سموا نصارى من البلد المعروف بالناصرة فهو نسبة إلى مكان وأيًّا كان فهم الَّذين يدَّعون أنهم متبعون لعيسى ابن مريم، وقلنا: يدَّعون وأضربنا عن قول: يتبعون؛ لأنه لا يصح أن نقول: إن النصارى اليوم متبعون لعيسى بل هم مكذبون لعيسى كافرون به؛ لأن عيس ابن مريم قال لهم: {يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدّقًا لما بين يدي من التوراة} فهذا موقفه من الرسالات السابقة وموقفه من الرسالات اللاحقة قال: {ومبشرا برسولٍ يأتي من بعدي اسمه أحمد} ولم يقل ومصدقًا بل قال ومبشرًا وهذا أبلغ؛ لأن المبشر به يكون نعمة على من بشر به فيكون تصديقه من باب تصديق الخبر وشكر النعم ومع ذلك رفضوا هذه البشارة وأنكروها ولم يؤمنوا

<<  <  ج: ص:  >  >>