للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما الذي يحرم فيه الإيثار؟ مثل لو كان معي ماء يكفيني للوضوء فلو آثرت به غيري وتوضأ به بقيت بلا ماء، فهنا يحرم الإيثار؛ لأنني قادر على استعمال الماء وهو في ملكي فلا يجوز لي أن أوثر به غيري، إذا كانت القرية مستحبة مثل الصف الأول فيه مكان رجل وسبقت إليه أنا وواحد معي فهل أوثره؟ قال العلماء: إنه يكره أن يؤثر غيره بمكانه الفاضل، وهو كذلك، لكن القول بالكراهة يتوقف فيه الإنسان، إنما يقال: لا ينبغي أن تؤثر؛ لأن هذا يدل على زهد في الخير والسبق إليه، لكن إذا اقتضت المصلحة أن تؤثره مثل أن يكون أباك أو أخاك الكبير أو صاحب فضل عليك وعلى الناس فهنا يكون الإيثار لا بأس به، بل قد تربو المصلحة ونقول: أن الإيثار هنا مستحب، أما الإيثار في الأمور العادية فهذا لا بأس به، والأصل فيه الحل والجواز، قلنا: تبدأ بنفسك، ينبني على هذا مسألة إهداء القرب للأموات، فنقول: الأفضل إلا تهدي القرب للأموات، الأفضل أن تجعل القرب لك وللأموات الدعاء؛ لأن هذا هو الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" (). ولم يوجه الرسول صلى الله عليه وسلم الأمة إلى عمل يعملونه للميت مع أن الحديث في سياق العمل، فاجعل الأعمال الصالحة لنفسك ومن سواك ادع الله له.

[فرض الحج في العمر مرة واحدة]

٦٨٦ - وعنه رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إنَّ الله كتب عليكم الحجَّ، فقام الأقرع بن حابسٍ فقال: أفي كلِّ عامٍ يا رسول الله؟ قال: لو قلتها لوجبت، الحجُّ مرَّة، فما راد فهو تطوُّعٌ" (). رواه الخمسة، غير التَّرمذيِّ.

- وأصله في مسلمٍ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

"وعنه" أي: عن ابن عباس يقول: "خطبنا"، وهذه الخطبة يحتمل أن تكون من الخطب الراتبة ويحتمل أن تكون من الخطب العارضة، وسبق لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب أصحابه خطبا راتبه كخطبة يوم الجمعة والعيدين والاستسقاء، وأحيانًا خطبة عارضة يكون لها سبب فيقوم ويخطب.

فقال: "إن الله كتب عليكم الحج" "كتب" بمعنى: أوجب، كقوله تعالى: {يأيها الذين ءامنوا كتب عليكم الصِّيام} [البقرة: ١٨٣]. وقوله: {إن الصلوة كانت على المؤمنين كتبًا موقوتًا} [النساء: ١٠٣]. وسمي الفرض كتابة؛ لأنه كلما أريد أن يوثق الشيء فإنه يكتب كما قال الله تعالى: {يأيها

<<  <  ج: ص:  >  >>