الذين ءامنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه} [البقرة: ٢٨٢]. فالمفروض مكتوب كأنه وثق بهذه الكتابة، وقوله:"الحج" قال العلماء: أن الحج لغة: القصد، وشرعًا: قصد مكة للتعبد لله سبحانه بأداء المناسك.
"فقام الأقرع بن حابس" وهو من زعماء بني تميم ومن المؤلفة قلوبهم، فقال:"أفي كل عام يا رسول الله؟ " وهذا السؤال من الأسئلة التي لا تنبغي؛ ولهذا كان الحديث في صحيح مسلم عن أبي هريرة أنه لما قال: أفي كل عام يا رسول الله؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم:"لو قلت: نعم، لوجبت ولما استطعتم، ذروني ما تركتكم، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم، إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه"().
فقوله صلى الله عليه وسلم:"ذروني ما تركتكم" تفيد أنه كان لا ينبغي أن يسأل هذا السؤال، ولكن على كل حال قد يكون في هذا السؤال خير لئلا يشتبه على من يأتي من بعده من الأمة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لو قلتها لوجبت"، يعني: لو قلت في كل عام لوجبت، يعني: لثبتت وصار الحج فريضة كل عام، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم بين فيما رواه مسلم:"ولما استطعتم"، فإنه لو وجب على الناس كل عام ما استطاعوا. أولًا: ما استطاعوا أن يأتوا كل عام إلا بمشقة شديدة.
ثانيًا: لو استطاعوا ما استطاعوا أن يؤدوا المناسك؛ لأننا لو فرضنا أن المسلمين في مثل هذا العصر يمثلون ألف مليون، ولنقل: أن القادر منهم على الحج نصف هذا العدد لو جاءوا إلى مكة مثلًا هل يستطيعون أن يقوموا بشيء؟ لا يستطيعون، لهذا هم لا يستطيعون لا باعتبار أفرادهم أنهم يشق على كل فرد منهم أن يأتي كل عام إلى مكة لاسيما من البلاد البعيدة، ولا باعتبار اجتماعهم حول الكعبة فإن هذه مشقة شديدة أيضًا، وهذا من نعمة الله عز وجل أنه لم يجب إلا كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم:"الحج مرة فما زاد فهو تطوع"؛ يعني: الحج واجب مرة واحدة فما زاد على المرة الواحدة فهو تطوع، أن شاء الإنسان أتى به وإن شاء لم يأت به.
في هذا الحديث فوائد: منها: إعلان الأحكام الشرعية عن طريق الخطابة، والخطابة أحد المجالات التي بها تنشر الدعوة، فإن الدعوة تنشر بطرق متعددة منها: الخطابة، والكتابة والمشافهة، وغير ذلك من الأشياء التي تكون مجالًا للدعوة، ومنها: حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تبليغ أمته، فإنه كان لا يخفي تبليغ الأحكام، بل جعلها إعلانًا بواسطة الخطابة.
ومنها: فرضية الحج لقو له: "كتب عليكم الحج"، وفرضه بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين إجماعًا قطعيًا، ففي القرآن:{ولله على الناس حج البيت .... }[آل عمران: ٩٧]. وفي السُّنة كما