حدث بعد القرون الثلاثة في آخر القرن الثالث، بدأوا يتكلمون عن الحقيقة والمجاز ويشققون الكلام، لو أن أحدًا قال في مدح إنسان: إنه كثير الرماد، طويل النجاد، رفيع العماد، هذا كناية عن الكرم والشجاعة، لو قال: إنه كثير الرماد يعني: إنه يحرق الحطب حتى يصير رمادًا هل أحد يوافق على هذا؟ لا، إذن نعلم أن كثير الرماد بأنه كريم، فهو حقيقة في معناه حسب الحال، طويل النجاد يعني: علاقة السيف ويدل على طوله، لكن هذا لا يمنع حقيقة أنه طويل النجاد، أي: علاقة السيف في الواقع، رفيع العماد يعني: أن خيمته عمودها مرتفع ليتبين أنه سيد قومه، على كل حال القول بأنه لا مجاز في اللغة لاشك أنه أقرب إلى الصواب بناء على أننا نقول: إنّ المعنى المراد باللفظ هو السياق وقرائن الأحوال.
[حكم نذر المكان المعين]
١٣٢٣ - وعن ثابت بن الضَّحَّاك رضي الله عنه قال:"نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلاً ببوانة، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله، فقال: هل كان فيها وثن يعبد؟ قال: لا. قال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ فقال: لا. فقال: أوف بنذرك؛ فإنَّه لا وفاء لنذرٍ في معصية الله، ولا في قطيعة رحمٍ، ولا فيما لا يملك ابن آدم". رواه أبو داود، والطَّبرانيُّ واللَّفظ له، وهو صحيح الإسناد.
- وله شاهد: من حديث كردمٍ عند أحمد.
يقول ثابت بن الضحاك "نذر رجل ... الخ""بوانة" اسم مكان، والرجل مبهم، وكما قررنا كثيرًا بأن إبهام صاحب القصة لا يضر، "ينحر إبلاً ببوانة" لكن لماذا خص هذا المكان: هل هو لفضل المكان أو لحاجة أهله أو لأن فيه أقارب لهذا الرجل؟ نقول: أعلم لكن ليس أفضل المكان قطعًا؛ لأن هذا المكان ليس له فضيلة في حد ذاته، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم خاف أن يكون هذا الرجل الذي عيَّن هذا المكان أنه لحظ كونه فيه أوثان أو أنه عيد من أعياد الكفار؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وقع في ذهنه كيف يخصص هذا المكان لأي شيء؟ فسأل عن المحذور دون السبب الموجب فقال:"هل كان فيها وثن يعبد" قال: لا. والوثن: كل ما عبد من دون الله من قبر أو صنم أو شجر أو حجر أو غير ذلك، قال: لا، قال قوله:"وثن يعبد"، هل هذا قيد لبيان الواقع أو قيد احترازي؟ الظاهر أنه لبيان الواقع؛ إذ لا نعلم أن أوثانًا تنصب، ولكنها لا تعبد، قال:"فهل كان فيها عيد من أعيادهم"، بحيث يترددون إلى هذا المكان ويحيونه كل سنة على وجه