يسمع نوحهم، وورد أيضًا في حديث صححه ابن عبد البر وأقره ابن القيم: أن الإنسان إذا سلّم على صاحب القبر وهو يعرفه فإن الله يرد عليه روحه ويرد عليه السلام، ولكننا نتوقف: لا نحكم بحكم عام من أجل هذه النصوص الفردية؛ لأن هذه أمور غيبية، فالواجب علينا أن نقتصر فيها على ما جاءت به النصوص، وإن كان الفقهاء- رحمهم الله- قالوا: إن الميت يتأذى بكل منكر عنده سواء كان قولًا أو فعلًا، لكن هذه القاعدة تحتاج إلى ما يسندها من الدليل عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
ويستفاد من هذا الحديث: إثبات الأسباب من قوله: "بما نيح عليه" الباء للسببية، وقد تقدم لنا ذلك، وأن الذي خالف في هذا الأشاعرة ينكرون الأسباب ويقولون: إن الأسباب لا تأثير لها وإنما هي علامات مجردة فقط والمؤثر هو الله، فإذا رميت زجاجة بحجر وانكسرت يقولون: الزجاجة لم تنكسر بالحجر، لكن وقوع الحجر عليها أمارة فقط، يحصل بها الانكسار فالكسر حصل عند الحجر، لا بالحجر ألقيت ورقة في النار وهي تلتهب واحترقت الورقة قالوا: النار لا تحرق، لأنك لو أثبت أن النار تحرق أثبت خالقًا مع الله، هذا وجه قولهم، إذن بماذا تغيرت الورقة بهذا الوصف؟ قالوا: حصل الاحتراق عند النار لا بالنار، ولو ركبت أنا لمبة في مكان وأضاءت هي لما أمسكت في مكانها هل أنا الذي جعلتها تمسك، لكن حصل الإمساك عند فعلي لا بفعلي، المهم أن هذا القول في الحقيقة إذا تأمله الإنسان وجد أنه أضحوكة، وأن الفطرة لا تقبله إطلاقًا.
فالصواب: أنه يحصل الشيء بسببه، لكن من الذي جعل هذا السبب فاعلًا؟ الله عز وجل فحينئذٍ يعود الفعل كله إلى الله، فإن خالق السبب خالق للمسبب، لا شك في هذا.
وعليه فنقول: في هذا الحديث إثبات الأسباب والعلل وهذا هو الذي دلت عليه النصوص بكثرة، سواء كانت الأحكام كونية أو كانت الأحكام قدرية فإنه لابد فيها من علل وحكم، لكن أكثرها مجهول لنا، ثم قال المؤلف:
[جواز البكاء على الميت]
٥٦٤ - وعن أنس رضي الله عنه قال:"شهدت بنتًا للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم تدفن، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالسٌ عند القبر، فرأيت عينيه تدمعان". رواه البخاريُّ.
أي البنات؟ هي أم كلثوم، دفنت وحضر النبي صلى الله عليه وسلم دفنها، وكانت زوجة لأمير المؤمنين عثمان