بالشيء والتألم منه بدون أن يمسه عذاب فهذا يمكن، قالوا: ومن هذا النوع قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن السفر قطعة من العذاب"، ومعلوم أن المسافر لا يجلد ولا تقطع يده ولا رجله، وإنما يكون مهتمًّا متشوش البال لا يستريح إلا إذا وصل مقره، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وهو أحسن الوجوه عندي؛ لأنه يحصل به الجمع بين الآية الكريمة وبين هذا الحديث الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه يعذّب بما نيح عليه؛ أي: يعذّب بمعنى: أنه لا يعاقب عقوبة، ولكن يتألم ويهتم بهذا الأمر، وهذا ليس ببعيد، وحينئذٍ لا يكون مخالفًا للآية.
نستفيد من قصة عائشة فائدة عظيمة بالنسبة للأحاديث: وهي أن الأحاديث التي تخالف ظاهر القرآن لا ينبغي لنا أن نقبلها حتى نتثبت تثبتًا كاملًا؛ لأنها رضي الله عنها ردته مباشرة فحكمت بوهم الراوي، ومعلوم أنه لو كان شيء يخالف القرآن ولم يمكن الجمع بينه وبين القرآن فلا شك أننا نوّهم الراوي؛ لأن خطأ الإنسان لا شك أنه أقرب من خطأ القرآن، فالقرآن ليس فيه خطأ أبدًا، لكن قد يكون الخطأ في الأفهام، بحيث لا نستطيع الجمع بينه وبين النصوص الأخرى التي هي فيها السنة، أو يكون الوهم من الرّاوي، والوهم من الراوي أمر محتمل ولا أحد يستبعد الوهم، لكن إذا رأيتم شيئًا من الأحاديث يخالف القرآن في ظاهره أو يخالف الأحاديث الصحيحة المتلقاة بالقبول من أهل العلم فلا تتسرعوا في الحكم عليه بالتصحيح، ولو كان ظاهر سنده الصحة حتى يتأكد لكم صحته؛ لأنه لابد إذا كان يخالفها ولا يمكن الجمع فلابد فيه من علة.
يستفاد من هذا الحديث: أنه يجب الكف عن النياحة من وجهين: الوجه الأول: ما سبق من كون النائح قد عرّض نفسه للعنة الله عز وجل، الثاني: أن النياحة سبب لتألم الميت وتعذّبه في قبره، فإذا كان كذلك فإن نوحك يكون جناية على هذا الميت، فعليك أن تتقي الله في نفسك وفي ميتك.
ويستفاد منه: أن الميت يحس بما يصنعه أهله؛ لأنه لولا أنه يحس بهذا النوع ما تعذّب به في قبره، وقد روي أحاديث لكن فيها نظر؛ فيها أن الأعمال تعرض على أقارب الميت، ولا سيما أبواه فإن كانت خيرًا استبشروا بها، والله أعلم بصحة ذلك، لكننا في مثل هذه الأمور الغيبية لا نتجاوز ما ورد به النص، كل الأمور الغيبية ليس فيها قياس؛ ولهذا لا نتجاوز ما ورد به النص، فالميت تقدم لنا أنه يسمع قرع نعال المشيعين له إذا انصرفوا عنه، وهذا الحديث يدل على أنه