رأى على وجه المستفتي شيئا من الغرابة؛ لأن المستفتي أحيانا يثق بالمفتي ولا شك، لكن يستغرب الشيء، ويظهر ذلك من ملامح وجهه فيجب أن تطمئنه، وأحيانا إذا كان لا يهابه يقول: ما هذا؟ ما الدليل؟ على كل حال إذا وجدت المستفتي طالبا الدليل بلسان الحال أو المقال فينبغي أن تذكره له.
ومن فوائد الحديث: فضيلة أبي هريرة رضي الله عنه، حيث اعتمد في قضائه على قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبقية الفوائد مثل الحديث السابق.
[التحذير من مماطلة الغني]
٨٢٨ - وعن عمر بن الشريد، عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لي الواجد يحل غرضه وعقوبته». رواه أبو داود، والنسائي، وعلقه البخاري، وصححه ابن حبان.
قوله:"لي الواجد"، "اللي" بمعنى: المطل، و"الواجد" الغني القادر على الوفاء، وقوله:"يحل عوضه" أي: يبيحه، والعرض الكلام فيه، "وعقوبته" أي: تعزيره بما يراه الحاكم، والحديث هذا في بيان ما يجب على من عليه دين أو يبادر وألا يماطل فيه.
ففي الحديث أولا: التحذير من مماطل الغني بالدين، ووجهه: أن الشارع جعل هذا مبيحا لعرضه وعقوبته، مع أن الأصل أن عرض المسلم محرم وعقوبته كذلك محرمة.
ومن فوائد هذا الحديث: أن لي غير الواجد لا يحل عرضه ولا عقوبته، يؤخذ من قوله:"لي الواجد"، فإن مفهومه أن غير الواجد لا يحل عرضه ولا عقوبته.
ويستفاد من هذا الحديث: تحريم مطل الغني ووجهه: أن الشارع أباح منه ما كان محترما وهو العرض والعقوبة ولاستباح المحترم إلا بشيء محرم.
ومن فوائد الحديث: أنه يجوز مطل غير الواحد؛ لأنه لا يستطيع، ويؤخذ من قوله:"لي الواجد"؛ لأنه لا يستطيع، والله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها.
ويستفاد من هذا الحديث: أنه لا يجب الوفاء إذا لم يطلب لقوله: "لي"، ولا مطل إلا بامتناع، فإذا سكت عنه فإن ذلك ليس بمطل منه، ولا يحل عرضه وعقوبته، ولكن الطلب نوعان: طلب باللفظ وطلب بالحال، الطلب باللفظ أن يقول صاحب الحق: أعطني، والطلب بالحال أن يؤجله فيقول: يحل بعد شهر، بعد سنة، فإن تأجيله يستلزم المطالبة به بلسان الحال عند حلول الأجل، ولولا ذلك ما أجله.