ومن فوائد الحديث: أنه لا يجوز لأي واهب أن يرجع إلا الوالد، وظاهره حتى لو أن شخصا وهب إنسانا هبة بناء على سبب معين، وتبين انتفاء هذا السبب، فإنه لا يرجع، ولكن بعض العلماء قال: إنه في هذه الحال يرجع لقول النبي (صلى الله عليه وسلم): «إنما الأعمال بالنيات»، مثال هذا: امرأة أحست من زوجها أنه يريد أن يطلقها أو فعلاً قال سأطلقها، فأعطته دراهم لئلا يطلقها، ولكنه ما كاد أن تصل الدراهم إلى جيبه حتى طلقها، فهذه ذكر أهل العلم أنها ترجع؛ لأنها إنما وهبته من أجل أن تبقى عنده لا من أجل أن يطلقها، فإذا علمنا بلسان المقال أو بقرائن الأحوال أنها إنما وهبته ليبقيها ثم طلقها، فلها أن ترجع، ومثل ذلك لو أن شخصا وهب إنسانا هبة بناء على أنه هو الذي أنجز له الحاجة الفلانية، ثم تبين أنه غيره فله أن يرجع؛ لأن هذه الهبة وإن لم يشترط أنها فى مقابل العمل فالقرينة تدل على أنها فى مقابلة العمل، فإذا تبين أن العمل لم يقع من الموهوب له فللواهب أن يرجع، وقد يُقال: إن هذا لا يدخل في الحديث أصلاً؛ لأن الحديث يقول:«لا يحل لمسلم أن يعطي العطية»، وهو ظاهر في أن هذه العطية ليس لها مقابل، وما ذكر في مسألة الزوجة وفي مسألة العامل إنما أعطي في مقابل شيء لم يحصل فلا يدخل فى هذا الحديث.
[شروط قبول الهدية]
٨٩١ - وعَنْ عائشة (رضي الله عنها) قالت: «كان رَسُول الله (صلى الله عليه وسلم) يقبل الهدية، وَيُثيب عليها». رَوَاهُ البخاري.
يقول العلماء (رحمهم الله): إن «كان» إذا كان خبرها مضارعا فإنها تدل غالبًا على الدوام
لا دائما، وما أطلقه بعض العلماء من أن «كان» تفيد الدوام، فليس مرادًا، والدليل على هذا أنه قد ثبت عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه كان يقرأ في صلاة الجمعة بسبح والغاشية، وأنه كان يقرأ في صلاة الجمعة بالجمعة والمنافقين، ولا يمكن أن نقول: إن «كان» تدل على الدوام، لو قلنا بذلك لتناقض الخبران، فإذن هي تدل على الدوام غالبًا، نقول: «كان يقبل الهدية (صلى الله عليه وسلم) كان يقبلها من أي شخص حتى قال (صلى الله عليه وسلم): «لو أهدي إلي ذراع أو كراع لقبلته». مع علو مرتبته (صلى الله عليه وسلم) وشرف مقامه لو أهدي إليه هذا الشيء الزهيد لقبله من أي شخص حتى إنه يقبل الهدية من اليهود، أهدت إليه امرأة من يهود خيبر - حين فتح خيبر- أهدت إليه شاة وقد سألت ما الذي يعجبه من