عن قصة أصحاب الكهف سألوه قريش قال: أخبركم غدا، ولكنه امتنع الوحي عنه بأن توقف إلى خمسة عشر يوما لم ينزل عن خبرهم شيء، وفي ذلك قال الله تعالى:{ولا تقولن لشااء إنى فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله}[الكهف: ٢٣، ٢٤]. أما دليل الثاني: وهو أنه لو حنث لم تجب عليه الكفارة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من حلف على يمين فقال: إن شاء الله فلا حنث عليه»، لذلك ينبغي أن يقرن الإنسان يمينه دائما بـ «إن شاء الله»، أو «إلا أن يشاء الله»، ولا يكفي أن يمرها على قلبه، بل لابد من النطق بها، وهل يشترط أن تكون مساوية لليمين في الجهر والإسرار، أو يجوز أن يسر بها ولو كان اليمين جهرا؟ الجواب: الثاني، يجوز أن يذكرها سرا ولو كانت اليمين جهرا، وهذه تنفع الإنسان فيما إذا حلف على شخص ولم يقل: إن شاء الله جهرا، فإن مخاطبه يظن أنه لم يستثن فلا يحنثه، لكن لو استثنى قال له المخاطب: استثنيت الآن فلا حنث عليك، وأنا لن أفعل.
كذلك أيضا من مباحث هذا الباب أن اليمين أو الحلف بغير الله محرم، وسيأتي في الحديث الذي بعد الأول، وستأتي الكفارة فيما أظن في المستقبل.
[شروط وجوب الكفارة]
الكفارة لا تجب إلا بشروط: الشرط الأول: أن تكون اليمين منعقدة، وهي أن اليمين المنعقدة التي قصد عقدها على أمر مستقبل ممكن؛ فإن لم يقصد عقدها لم تكن منعقدة وليس عليه كفارة، لكن إن كان صادقا فقد بر، وإن كان كاذبا فعليه إثم الكاذبين، لكنه يتضاعف عليه الإثم؛ لأنه قرن كذبه باليمين بالله، وهل هذه يمين غموس؟ قيل: إنها يمين غموس، وقيل: لا، والصحيح أنها ليست يمين غموس، وأن اليمين الغموس هي التي يقسم بها ليأكل بها مالا بالباطل، وأما هذه فهو كاذب عليه إثم الكاذبين مع مضاعفة الإثم عليه لكونه حلف وأقسم إذن على أمر مستقبل، الحلف على الماضي ليس فيه الكفارة، فإما صادقا وإما كاذبا، مثل: أن يقول: والله لقد حصل أمس كذا وكذا وهو لم يحصل فما الحكم، هل عليه كفارة؟ لا؛ لأن ذلك على أمر ماض، لكننا نقول: هو بين أمرين إما آثم وإما سالم إن كان صادقا فهو سالم، وإن كان كاذبا فهو آثم، وهل يجوز أن يحلف على غلبة ظنه في أمر ماض؟ الجواب: نعم يجوز ذلك؛ لأنه حلف عند النبي صلى الله عليه وسلم على غلبة الظن ولم ينكر ذلك.
وقولنا:«قصد عقدها ضده» ما لم يقصد ذلك، فإذا لم يقصد عقدها فلا حنث عليه؛ لقول الله تعالى: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمنكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمن فكفرته إطعام عشرة