ودليل الأولين أولى، لتأييد القياس بالمرسل والموقوف؛ ولأن قياسه على الوصية أولى من القياس على الهبة.
وفي الحديث فوائد منها: جواز بيع المدبر لحاجته لنفقته أو قضاء دينه، وقد ذهب طائفة إلى عدم جواز بيعه مطلقا مستدلين بقوله تعالى {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}[المائدة: ١٠]. ورد بأنه عام خصصه حديث الكتاب.
وذهب آخرون ومنهم: الشافعي وأحمد إلى جواز بيعه مطلقا مستدلين جابر وبشبهه بالوصية؛ فإنه إذا احتاج الموصي باع ما أوصى به وكذلك مع استغنائه قالوا: والحديث ليس فيه قصر البيع على الحاجة والضرورة، وإنما الواقع جزئي من جزئيات صور جواز بيعه، وقياسه على الوصية يؤيد اعتبار الجواز المطلق والظاهر القول الأول. وقال الشيخ ابن باز (رحمه الله) في تعليقه على الحديث: الحديث يدل على أن المدبر عبد ما لم يمت صاحبه؛ ولهذا أمر النبى (صلى الله عليه وسلم) ببيعه وفاءً لدينه، فدل على أن حكمه حكم العبد وأنه يتصرف فيه مادام سيده حيّا وهكذا لو كان مُعلقا لو قال: إذا أهل رمضان فهو عتيق وباعه قبل ذلك فلا بأس.
المكاتب عبد ما لم يفيا بما كُوتِبَ عليه:
١٣٧٣ - وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: «المكاتب عبد ما بقي عليه من مكاتبته درهم». أخرجه أبو داود بإسناد حسنٍ، واصله عند أحمد والثلاثة، وصححه الحاكم.
والحديث دليل على أن المكاتب إذا لم يف بما كوتب عليه فهو عبد، له أحكام المماليك، وإلى هذا ذهب الجمهور، وفى المسألة خلاف، فقد رُوي عن علي (رضي الله عنه) أنه يعتق إذا أدى الشرط، ويُروي عنه أنه يعتق بقدر ما أدى، ودليله ما أخرجه النسائى من رواية عكرمة عن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال: «يؤدي المكاتب بحصته ما أدّى دية حُر وما بقي دية عبد».
قال البيهقى: قال أبو عيسى فيما بلغني عنه: سألت البخاري عن هذا الحديث فقال: روى بعضهم هذا الحديث عن أيوب عن عكرمة عن علي، واختلف على عكرمة فيه ورواية عكرمة عن علي مرسلة وروايته عن النبي (صلى الله عليه وسلم) مرسلة، وروي عن علي من طرق مرفوعًا وموقوفًا.